TOP

جريدة المدى > سينما > بريجيند.. مدينة الموت الجماعي الغامض

بريجيند.. مدينة الموت الجماعي الغامض

نشر في: 28 يناير, 2015: 09:01 م

 ربما يكون "بريجيند" هو الفيلم الروائي الأخطر في ثيمته من بين الأفلام المشاركة في مسابقة جوائز النمر للأفلام الطويلة في الدورة الرابعة والأربعين لمهرجان روتردام السينمائي الدولي حيث يتمحور موضوع الفيلم على سلسلة الانتحارات الجماعية التي قام بها

 ربما يكون "بريجيند" هو الفيلم الروائي الأخطر في ثيمته من بين الأفلام المشاركة في مسابقة جوائز النمر للأفلام الطويلة في الدورة الرابعة والأربعين لمهرجان روتردام السينمائي الدولي حيث يتمحور موضوع الفيلم على سلسلة الانتحارات الجماعية التي قام بها 79 شاباً وشابة من قرية بريجيند التابعة لإقليم ويلز البريطاني بين عامي 2007 و 2012 من دون أن يتركوا أية ملاحظة توضح الأسباب الحقيقية التي دفعتهم للانتحار.

 
اللافت للنظر أن غالبية المنتحرين هم من الشباب الذين شنقوا أنفسهم بالحبال تاركين أناس هذه القرية الويلزية الصغيرة ينغمسون في خوفهم وقلقهم الدائمين. ويبدو أن السلطات الرسمية في هذه القرية قد ضاعفت من نسبة الغموض حينما أحجمت عن توضيح الأسباب التي دفعت هؤلاء الشبان إلى وضع حدٍ لحياتهم بهذه الطريقة المروِّعة. المثير للانتباه أيضاً أن المنتحرين يعرفون بعضهم بعضا بشكل جيد، فهم إما أصدقاء أو جيران أو حتى أبناء عمومة!
لم تبقَ حوادث الانتحار المروِّعة في إطارها الواقعي، بل قفزت إلى الإطار الفنتازي حينما اعتقد أهالي القرية والسلطات الرسمية فيها أن اللعنة قد حلّت على هذه المدينة أو أن الأرواح الشريرة قد وجدت طريقها إلى عقول الشباب وأرواحهم فحرّضتهم على الانتحار الجماعي. ثمة تأويلات عديدة أخرى طغت على الساحة آنذاك من بينها أن النخبة الشابة التي تتعامل مع شبكة الإنترنيت قد تكون متورطة في التحريض على فعل الانتحار أو تسويغه وقد رأينا سارة "هانا موري" تتواصل مع بعض شباب القرية عن طريق المحادثة النتيّة وتتعرف إلى جيمي "جوش أوكونور" وتقع في حبه عن طريق هذه الوسيلة الإليكترونية الحديثة التي وصفها سكّان القرية باللعنة الجديدة التي حلّت عليهم جميعا. وقد ذهب البعض منهم إلى أبعد من ذلك حينما تصور أن الاختلالات الكيميائية الناجمة عن أبراج الهواتف الخليوية المنصوبة بالقرب من القرية قد تكون السبب المباشر الذي دفع هؤلاء الشباب إلى الانتحار.
لم تسعَ السلطات المحلية إلى وضع حدٍ لهذه الشائعات أو التوقعات، بتعبير آخر، بل أنها لم تسمح لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة من التواصل المباشر مع أهالي الضحايا وذويهم، بل أن السلطات الرسمية متهمة في التعتيم على حوادث الانتحار الجماعي. وأن ما بذله المخرج الدنماركي جيبه روند هو جهد شخصي لا علاقة للسلطات المحلية فيه حيث كرّس ست سنوات من حياته للتعرف على ذوي الضحايا والتحدث معهم علّه يجد خيطاً بسيطاً يقوده إلى حل لهذا اللغز الذي حيّر الويلزين خاصة والبريطانيين بشكل عام.
الثيمة الخبرية
يستقي العديد من المخرجين السينمائيين أفكار أفلامهم من الأخبار المنشورة في الصحف والمجلات المحلية أو العالمية. وحينما يرون أن هذه الأفكار تنطوي على محمولات فنية وفكرية عميقة يحولونها إلى أفلام روائية أو وثائقية. لقد قرأ جيبه روند خبر الانتحار الجماعي لشباب بريجيند في صحيفة دنماركية محلية صدرت في 27 يناير 2008. وقد علقت هذه الفكرة في ذهنه فأخذ يتردد على قرية بريجيند عشرات المرات معتقداً أن البحث الدقيق هو الذي يمكن أن يوصله إلى جانب من الحقيقة أو إلى خيط من خيوطها في الأقل. ثم بدأ بكتابة القصة السينمائية مع توربن بيك وبيتر أسميسون قبل أن يتبنى المصور المبدع ماغنوس نوردنهوف عملية تصوير اللقطات والمشاهد الحرفية المتقنة التي أمدّت الفيلم بالكثير من عناصر النجاح والتألق الفنيين.
يمكن اختصار القصة السينمائية المقتضبة أصلاً ببضعة سطور حيث تذهب سارة إلى بريجيند بصحبة أبيها ديف "ستيفن وادينغتون"، ضابط الشرطة المكلف بالبحث والتحري عن أسباب الانتحار الجماعي ومحاولة الوصول إلى جانب من الحقيقة في الأقل. تتواصل سارة على حذر مع بعض شباب القرية عبر الإنترنيت وتلتقي بجيمي، وهو شخص خطير يتعرض للعديد من الانتهاكات النفسية والجسدية الأمر الذي يدفعه للتفكير في الانتحار غير مرة وحينما تفشل جهود سارة في إنقاذه تقْدم هي على الانتحار لكن من حسن الحظ أن والدها كان قريباً من موقع الحادث حيث أسعفها في الحال ثم نقلها إلى المستشفى لينقذها من المصير المحتوم أو اللعنة الأبدية التي استشرت في القرية برمتها على مدى خمس سنوات.
على الرغم من تراجيدية القصة السينمائية إلاّ أن جمالية الفيلم وعمق خطابه البصري يكمنان في الأفكار والثيمات الثانوية المؤازرة مثل السباحة في البحيرة الكائنة عند مشارف القرية حيث كان الشباب يسبحون عراة تماماً في مشاهد لا يمكن أن ينساها المتلقي المتذوق للفن السينمائي خصوصاً وأن الفتيات في أعمار الزهور المتفتحة حيث يعُمنَ على ظهورهن في المياه الراكدة بينما تبرز أثداءهن المكوّرة من سطح الماء في مشهد إيروسي شديدة الإثارة مسّ، على ما أظن، جميع المتلقين ولم يستطع أن يتفاداه أحد دون أن يتصور شفاهه تلامس حلمات النهود المدوّرة. أو مشهد استدعاء الموتى حيث يتجمع الشباب في وسط الغابة ويصرخوا بأعلى أصواتهم منادين بأسماء الشباب الذين رحلوا منتحرين. الألعاب الخطرة التي كانوا يقومون بها أمام أحد أنفاق القطارات هي لقطات تثير الترقب والخوف والإثارة حيث يتعلق أحدهم بحبل ليخطف من أمام القطار السريع حال خروجه من النفق. وقد قامت سارة بهذه المجازفة أيضاً ونجت من الموت بأعجوبة كما نجى بقية المجازفين الذين يذهبون إلى حتفهم بأقدامهم.
لم تنفتح سارة بهذه السهولة على شباب القرية لولا تواجد لوريل "إلينور كرولي" التي تحدثت إلى سارة ودعتها للمجيء إلى البحيرة والتعرف إلى الشباب عن كثب حيث رقصت معهم واندمجت في مناخهم الشائك الذي لا يخلو من غرابة وتطرّف. وفي الوقت الذي كانت تتبادل فيه القُبل مع بعض الأشخاص الذين تستلطفهم كان والدها يمارس الحب مع امرأة أخرى ويخون زوجته التي تركها في مدينة أخرى.
نخلص إلى القول إن قصة الفيلم المبني بناءً رصيناً تركز على جوانب متعددة من بينها العلاقة بين الآباء والأبناء حيث تهيمن القطيعة بين جيلين وزمنين، إن شئتم، جيل لا يعير اهتماماً لوسائل الاتصال الحديثة، وجيل جديد ينهمك فيها حتى أذنيه لتصبح في خاتمة المطاف مثل لعنة أبدية غامضة لا خلاص منها. ربما يشكِّل السلوك العنيف لبعض شباب القرية تجاه بعضهم الآخر كما حصل لجيمي الذي تعرض للضرب المبرح والاعتداء الجنسي سبباً في إقدام البعض على الانتحار. أما القراءة الثالثة التي يمكن أن نستشفها من هذا الفيلم والتي يمكن أن تكون سبباً مباشراً في الانتحار فهي العزلة الروحية والجسدية لهؤلاء الشباب وما يكتنف حياتهم من يأس وسأم وضجر. أما القراءات الأخرى التي تذهب صوب الطقوس الموروثة فهي ضعيفة ولا تستطيع الصمود أمام القراءات العلمية المقنعة ومع ذلك فقد منحت الفيلم أبعاداً أسطورية أبقت دوافع الانتحار مجهولة تاركة ذوي الضحايا يتخبطون في ظلام دامس لم يفضّ حلكته مخرج الفيلم الدنماركي جيبه روند.
من الجدير بالذكر أن المخرج الأميركي جون مايكل وليامز قد أنجز عام 2013 فيلماً وثائقياً عن هؤلاء الضحايا لكنه لم يتوصل هو الآخر إلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء انتحار 79 مواطناً غالبية من الشباب. وربما يتفق المخرجان فقط على توصيف بريجيند بمدينة الموت التي يلفها الغموض حتى الوقت الراهن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

المحافظات التي عطلت الدوام الأحد بسبب الأمطار

تأجيل 4 مباريات في الدوري العراقي بسبب الأمطار

خامنئي يرد على ترامب: لن نفاوض تحت الضغط

قائممقام القائم: الحدود العراقية السورية مؤمّنة بالكامل ولا تهديد للأمن الوطني

تركيا تحذر من تحول أحداث اللاذقية إلى تهديد للسلام في سوريا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم (الوحشي) للمخرج برادي كوربيت والبحث عن الحلم الأمريكي

لـ "أنورا" حصة الأسد وأفضل فيلم وثائقي لمخرج فلسطيني في جوائز الاوسكار

"اللودج" يختارمشاريع ضمن النُسخة السادسة من برنامجه

مقالات ذات صلة

لـ
سينما

لـ "أنورا" حصة الأسد وأفضل فيلم وثائقي لمخرج فلسطيني في جوائز الاوسكار

متابعة المدى عاش طاقم فيلم "Anora" ليلة لا تنسى، في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 97، الأحد، حيث فاز الفيلم بـ 5 جوائز، بما في ذلك أفضل فيلم، وأفضل ممثلة للنجمة مايكي ماديسون. وحصد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram