الفيلم مثلما لا يعمد الى الإسهاب في تناول حياة هذه الشخصية الفذة، هو ايضاً غير معني بشرح نظريات هوكينغ في الفيزياء النظرية، وهو الجانب الذي اشتغل عليه قبلاً وثائقي تناول منجز هوكينغ العلمي.
الفيلم يتناول سيرة هوكينغ من زاوية نظر زوجته جين وايلد، وهي زاوية لا تنأى كثيراً عن شرح سيرته العلمية والحياتية، لكنها في الوقت نفسه تقدم لنا الجهد المتفاني لهذه المرأة في الأخذ بيد هذا العالم الكبير والتي بدونها لا تكتمل استثنائية حياة هوكينغ.
اللقطات الأولى للفيلم، التي نرى فيها هوكينغ وهو يتحرك بعربته بشكل دائري وكذلك دوران عجلة دراجته التي تحتل الكادر، .. تشير نوعاً ما الى حياته، او لنقل ، الى نظريته في اللانهاية .. وسرعان ما تأخذنا هذه اللقطة للدخول الى أحداث الفيلم حيث بداية العلاقة بين هوكينغ ووايلد.. لتُخلق قصة حب واقعية نسجت بإتقان يصل فيها الواقع الى حد الخيال.
سيناريو محكم، أعطى الشخصيات المساحة التي تستحق، مثلما اعتنى ببناء الحدث. مجموعة من المشاهد أسهمت في ان يكون للسيناريو الدور الكبير في جمالية الفيلم .. الاعتناء بالتفاصيل هو الذي يجعلنا نقف عند حدود الشخصيات المكتنزة السابقة .. مشهد إصرار وايلد على الوقوف مع هوكينغ رغم محنة مرضه، انفعالها على الأطباء عندما قرروا ان نهايته قريبة .. لحظة الاستعداد لتكريمه من قبل الملكة .. ثم الاستعراض في إشهار العواطف وكتمها في اطار حلقة الشخصيات، وهي تتبارى جميعها باستعراض مهاراتها الأدائية التي بلغت حد الإعجاز خاصة مع دور هوكينغ الذي جسده (ايدي ريدماين) والذي ستحتفظ له السينما بكونه احد اهم الأدوار في تاريخها.
وإذا كان من الطبيعي أن تكون زاوية نظر الزوجة (جين ويلد) بوصفها سارد للحكاية، منحازة الى الاهتمام بحضورها هي المادي والاعتباري ، فان ذلك لا يمنع في ان تستمد هذا الحضور من هالة الحضور الاكبر المتمثلة بالسيرة الاستثنائية لهوكينغ، حتى لتبدو وكأنها اكتفت في ان وجودها وخلودها مرتبط بعظمة هذه الشخصية.
ومن هنا يقف الفيلم عند شخصية الزوجة وهي تبدأ رحلتها مع هوكينغ، حبيبة ثم زوجة مضحية، واخيرا مفترق الطريق الذي يمضي بحياة كل منهما.. ولعل علاقة وايلد بهوكينغ والصبر الأسطوري لها على محنة مرضه المستعصي، تسمو الى مصاف الكمال، من جهة التضحية التي تصل حد الإيثار وإفناء الذات المضحية.
حساسية المخرج (جيمس مارش) جعلته يتخطى ما مسحته عين الزوجة وايلد من سيرة هوكينغ التي اعتمدها الفيلم، وفي الاشتغال على السبب الذي يجعل مثل هذه التضحية ذا قيمة عالية وهي حياة هوكينغ وصراعه مع المرض ، بل تطور هذا المرض الذي يبدأ بارتعاشة في اليد لا يعيرها اهتماما مرورا بشلل كامل، لينتهي بفقد النطق واستخدام جهاز يترجم الاستجابة، والتعاطي مع العالم، ثم براعة المخرج في ان يظهر لنا حيوية وجمال عقل هوكينغ وموهبته الفذة، من خلال الاعتناء بتفاصيل حالته درجة نتماهى معها بالاحساس نفسه كمتلقين، فنضيق بانفسنا مثلما يمارس جسد هوكينغ المعتل استبداده اللامجدي على عقله ، الذي لا تعيق انفلاته كل هذه الاهوال ليستمر بصياغة نظرية تحيط بكل اسرار الكون ، نظرية تجعلنا ننجح في فك الغاز هذا الكون، نظرية كل شيء.. تعيد النظر برؤيتنا لاسرار الكون.
مهمة مارش لإظهار عبقرية مثل هذا العقل وجماله رغم صعوبتها ، وجدت بالاداء المذهل لريدماين سبيلها ، فقد وفر هذا الممثل بأدائه العبقري ما يحتاجه المخرج من اداة ناجعة في رسم تصوره عن حياة هوكينغ.