هذا كتاب لم اقرأه بعد، مع أني أعرف أشياء وأشياء عنه، من حواراتي مع مؤلّفه. وهذه الكلماتُ ليست ترويجاً دعائياً له.كتاب (الحقيبة النسائية) لخالد مطلك صدر للتو، ومجردُ الإعلان عن صدوره أطلق رغبة عارمة في قراءته، ربما لا تحدث مع أي كتاب آخر، إلا نادرا.
هذا كتاب لم اقرأه بعد، مع أني أعرف أشياء وأشياء عنه، من حواراتي مع مؤلّفه. وهذه الكلماتُ ليست ترويجاً دعائياً له.
كتاب (الحقيبة النسائية) لخالد مطلك صدر للتو، ومجردُ الإعلان عن صدوره أطلق رغبة عارمة في قراءته، ربما لا تحدث مع أي كتاب آخر، إلا نادرا.
لماذا؟
لأن هذا الكتاب وُلد وعليه سمةُ الابن البكر . . الرائدِ لحقل لم يتشكل في العراق، وفي الثقافة العربية على نحو عام، إلا بشكل مشوّه. وبقدر ما كانت ثمة محاولات، عبر العقدين الماضيين، للوصول إلى كتاب على هذه الشاكلة، لم تكن هذه المحاولاتُ واعية بحدود الحقل الفكري الذي تعمل فيه. ولذلك، كانت متخبطة وتائهة.
هذا الكتاب يؤسّس لنمط جديد من الكتابة، . . جديد في موضوعه، ومنهجه، وأسلوبه، فأنْ تكتبَ عن الحقيبة النسائية يعني أنك تجد موضوعا أكثر أولوية للكتابة من الجواهري، والسيّاب، وغائب طعمة فرمان، والشعر، والقصة، والرواية، والمسرح، . . يعني أنك بتَّ تؤمن بأن الثقافة الشعبية قد تكون أكثر أهمية مما يسمى "الثقافة الراقية"، أو "الثقافة الرسمية".
ثمة من يخشى أن روح الناقد التشكيلي، الواثبة داخل خالد مطلك، ولا سيما بعد كتابه (مدينة كاووش)، الصادر في العام الماضي، ستغلِّب الجمالي في الحقيبة النسائية على الثقافي، أي أن الكتاب لن يُنزِل النقدَ إلى منطق الحقائب، بقدر ما أنه سينقل الحقائبَ إلى منطق الفن التشكيلي.
وفي كل الأحوال، لن تتوقف الكتابةُ عن الحقيبة النسائية عند صناعتها، ومادتها، وأنواعها، بل عنها من حيث هي نتاج ثقافي، تشترك في صناعته السياسةُ، والوضعُ الاجتماعي، والطبقي، والقيمُ الثقافية، والسجال الفني والجمالي.
ثمة عملية طويلة، يجري خلالها استبدال موضوع النقد. وخلال هذا الاستبدال، يتشكل حادثان مفصليان: موت النقد الأدبي، ومولد الدراسات الثقافية، غير أن ما ينبغي أن ندركه، هنا، أن هذه الأخيرة ليست تطورا داخل النقد الأدبي، بل هي بديل وقطيعة معه.
في أواخر الستينات، أصدر الناقدُ الفرنسي، رولان بارت كتابا مثيرا، عنوانه (نظام الموضة)، تعاملَ فيه مع مدوّنات الموضة وسكيتشاتها ومخططاتها بوصفها نظامَ علامات وتواصل مغلقاً. وقد أراد بارت أن يُثبت أنه حتى في نظام العلامات هذا، يجب الاعتماد على اللغة. وبالأحرى، ليس ثمة نظام علامات غير لغوي، لا يضطر إلى الاعتماد على اللغة، التي هي النظام المركزي لكل أنظمة العلامات.
في كتاب (الحقيبة النسائية)، نذهب خطوة أبعد، فلسنا ـ هنا ـ أمام نظام علامات مغلق، بل نظام مفتوح على السياق الثقافي، الذي تشكّل فيه واكتسب منه معناه.
هذا الانتقال، من النظام المغلق إلى النظام المفتوح، لم يستطع أن يفهمه النقدُ الأدبي العربي إلا بأنه عودة إلى تقاليد النقد الاجتماعي، أي إعادة النص إلى حاضنته الاجتماعية، في حين أن الدراسات الثقافية استبدلت موضوع النقد أصلا، كما قدّمت، وليس طرق مقاربته فقط.
والمثالُ النمطي لسوء القراءة هذا هو كتاب الناقد السعودي عبد الله الغذامي (النقد الثقافي)، الصادر سنة ٢٠٠٠، الذي لم يكتف بأن قدّم للقراء العرب أن الدراسات الثقافية هي استمرار للنقد الأدبي، بل أشاع جملة من المفاهيم، التي نسبها إلى الدراسات الثقافية، وقدّمها بأنها المفاهيم المركزية في هذا الحقل، من قبيل مفهوم (الأنساق المهيمنة)، الذي إن كان يستعمله بعض المشتغلين في الحقل، فهو مفهوم ثانوي، بكل تأكيد.
في مطلع الثمانينات، سأل الناقد الإنكليزي تيري ايغلتن، في كتابه (مقدمة في النظرية الأدبية)، سؤالا جوهريا، وهو يستعرض حالَ الكتابة النقدية: ما الذي جعل النقادَ ينشغلون بالكتابة عن مادونا، ويتركون شكسبير؟
هذا السؤال، الذي تأخر في العراق ثلاثة عقود، ها هو يُستأنَف الآن، ها هو يفتح الحقيبةَ النسائية، هذا العمل الذي فيه لذة الحرام، فلطالما تعلّقت قلوبنا ـ نحن الذكور ـ بالحقائب النسائية، بوصفها موطن أسرار المرأة، وموطن الإثارة والعاطفة. والمرأة نفسها، التي أدركت العلاقةَ المشبوبة بين الرجل وحقيبتها، تقصّدت أن تعطيها سحر السر. هذا الكتاب يفتح هذا السر، . . يفتح ثقافته، ومعانيه، وقيمه.
جميع التعليقات 4
حيدر سعيد
لأن هذا الكتاب وُلِد وعليه سمتُ الابن البكر ، هكذا هي الجملة في أصل المقال. والسمت، في المعجم العربي، تعني: هيئة. ولكن، يبدو ان الزميل، المصحح اللغوي لجريدة (المدى)، لم يسمع بهذه الكلمة، فظنها غلطا إملائيا. ولذلك، غيّرها إلى (سمة)
بيان البكري
العزيز حيدر سعيد سعيد جدا لأنني أقرأ لك كتابة ثقافية هذه المرة وأريد أن أقول أنك ثقافيا أجمل منك سياسيا كثيرا جدا ، لكنني كنت أود أن أقرأ نقدا للكتاب لكنك أخذتنا في رحلة حول النقد الثقافي ولم أجد سى السطرين في نهاية المقال التي تتحدث عن الكتاب فعلا ، مع
حيدر سعيد
لأن هذا الكتاب وُلِد وعليه سمتُ الابن البكر ، هكذا هي الجملة في أصل المقال. والسمت، في المعجم العربي، تعني: هيئة. ولكن، يبدو ان الزميل، المصحح اللغوي لجريدة (المدى)، لم يسمع بهذه الكلمة، فظنها غلطا إملائيا. ولذلك، غيّرها إلى (سمة)
بيان البكري
العزيز حيدر سعيد سعيد جدا لأنني أقرأ لك كتابة ثقافية هذه المرة وأريد أن أقول أنك ثقافيا أجمل منك سياسيا كثيرا جدا ، لكنني كنت أود أن أقرأ نقدا للكتاب لكنك أخذتنا في رحلة حول النقد الثقافي ولم أجد سى السطرين في نهاية المقال التي تتحدث عن الكتاب فعلا ، مع