زارني هذا الصباح بضعة أصدقاء فنانين اطلعوا على أعمالي الجديدة وتحدثنا عن فعالية المرسم المفتوح التي سنقيمها بعد فترة قصيرة في مدينتنا التي تقع شمال هولندا حيث الجداول والقنوات المائية وبحر الشمال . احتسينا القهوة مع كعك التفاح ثم تجولنا في المرسم وكل أرجاء البيت ونحن نتحدث عن الأعمال وتقنيات الرسم وقد أحضروا لي معهم العلم الجديد الذي طبع عليه شعار الفعالية والذي سيضعه كل الرسامين والرسامات أمام مراسمهم كي يكون دليلاً للزوار وإشارة الى أن المرسم مفتوح للجمهور . وهذه الفعالية أو النشاط الفني المسمى بالمرسم المفتوح تقام بشكل عام في كل مدن هولندا حيث يتفق الرسامون على فتح مراسمهم لمدة يومين يصادفان عادة نهاية الأسبوع ليطَّلِع الناس على أعمالهم الجديدة وآخر المشاريع التي يقومون بها ، والناس هنا يستهويهم دائماً التعرف على الرسامين والتحدث اليهم ورؤيتهم في مكان عملهم ، لأن هذا يكشف ويوضح بالنسبة لهم بعض الغموض الذي يصاحب الأعمال الفنية منذ لحظة البدء في تنفيذها الى حد تعليقها في المعارض ، وهنا دائماً ما يمتلئ المرسم بناس لا تعرفهم في العادة ، تقدم لهم القهوة والكعك أو الحلوى أو حتى أقداح النبيذ وتحدثهم عن أسلوبك وموضوعك المفضل وتقنياتك في الرسم ، بعضهم يقضون نصف ساعة في المرسم وآخرون يبقون حتى المساء يتفحصون الأعمال وألوانها ومعالجاتها كي يختاروا في النهاية واحدة من لوحاتك التي قرروا اقتناءها ، أنه أشبه بسوق فني صغير ومفتوح ، أحدهم يشتري لوحة منك وآخر يشتري نسخة من كتاب فيه أعمالك الفنية وتفاصيلها ومنهم من يعود بعد فترة من ذلك وهو يفكر بلوحة معينة دخلت الى روحه ولم يستطع التخلص منها إلا بعد أن يعلقها في بيته فوق أريكة قديمة الطراز ، وخاصة أن الهولنديين معروفون بحبهم الكبير للفن وسعيهم الدائم لاقتناء الأعمال الفنية ، وهذه المسألة جزء من تقاليدهم وثقافتهم وتعود الى القرن السابع عشر حيث الفترة الذهبية حين كانت بيوتهم مليئة باللوحات الفنية التي باتت تعلق حتى في المطابخ بعد ن تمتلئ جدران الغرف بها ، وكان الرسامون يعتبرون من الطبقة المترفة في المجتمع .
في العادة أقتنص الصباح الباكر في أيام المرسم المفتوح وأزور بعض أصدقائي وزملائي الفنانين قبل مجيء الجمهور ، أحب أن أطّلع على كيفية ترتيب مراسمهم ثم أهمُّ بالعودة سريعاً الى مرسمي كي أنتظر أول مجموعة من الزائرين وهم يطلون بدراجاتهم الهوائية من بعيد ، حاملين بأيديهم كتلوك الفعالية الذي طبعت فيه أعمال المشاركين مع خارطة مرسومة للطريق الذي يؤدي الى كل المشاغل والمراسم .
أتذكر في سنة سابقة كنا قد استأجرنا ،نحن المشاركين، باصاً بطابقين ألصقنا عليه كتابات تشير الى المرسم المفتوح وجعلناه يدور في المدينة بعد أن يمتلئ بمحبي الفن ، وكان هذا الباص يتوقف وقتاً محدداً أمام كل مرسم ، وهكذا يمكن للراغبين بمشاهدة الأعمال أن يزوروا كل المراسم ويتمتعوا بالأعمال . في هذه السنة هناك فعالية من نوع مختلف وهي أن الزائر الذي يمر على جميع الفنانين ومشاغلهم يحصل على هدية عبارة عن عمل كرافيكي صغير ، وكي يثبت هذا الزائر أنه زار الجميع عليه أن يشهر استمارة صغيرة خاصة عليها كل تواقيع الفنانين المشاركين الذين زار مشاغلهم . هنا دائماً ما يثبت جميع المساهمين في هذا النشاط الملون والجميل سواء كانوا فنانين أو جمهورا أنك حين تكون محباً لما تقوم به فسيتسلل الجمال الى روحك وتُلوّن البساطة حياتك أيضاً .
المرسم المفتوح
[post-views]
نشر في: 30 يناير, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...