ماذا فعل هذا السنغافوري النحيق الذي نقل جزيرة مهملة الى مصاف الدول الكبرى؟ يذكرنا، كل يوم، نحن الذين اعتدنا منذ سنوات التطلع فقط إلى تحقيق التوازن الطائفي في المناصب والمغانم وأيضا في محاربة داعش، فقد نقلت إلينا الأنباء "العجيبة" أمس أن "السنة ضمنوا 50 ألف عنصر في الحرس الوطني فيما حصل الشيعة على 70 ألفاً".
دعك من تصريح عالية نصيف الضاحك عن احداث توازن بالزيارات الرسمية بين اربيل وبغداد، نحن نتحدث هنا عن سنغافورة التي سوف تصبح اول دولة في العالم تدشن، شبكة مجسات من أجل مراقبة مستمرة على مدار الساعة لأنحاء البلاد.. ماذا تعمل هذه المجسات العجيبة؟ انها تراقب " التوازن " بين احتياجات المواطن وعمل مؤسسات الدولة..سوف توضع هذه المجسات لمراقبة كيف يتم العناية بكبار السن، وفي المدارس لمعرفة مستوى النمو العقلي والبدني عند الناشئة، وفي الشركات لتحسين الأداء الوظيفي، وفي مقر الحكومة لنشر بيانات تفصيلية عن عمل المسؤولين ونقاط تقصيرهم.
أحد عشر عاماً لم نسمع خلالها سوى بيانات ومؤتمرات تبشر بالتنمية والرخاء وبعصر العدالة الاجتماعية، وكلما أمعنوا في الكلام عن المستقبل الزاهر الذي سيعيشه العراقيون على أيديهم، لكننا صحونا على دولة يعبث فيها فساداً أمراء "التوازن".
وسيسأل سائل ما الضير من أن تتوزع حصص الحرس الوطني حسب النسب؟ أليست هذه الديمقراطية التي تتحدثون بها وتكتبون عنها؟ وسأقول إن كل ممارسة سياسية وطنية أمر مرحّب به ما دامت لا تستخدم العنف طريقاً للاستحواذ على السلطة، لكنّ المطلوب أولاً وثانياً وثالثاً، أن تبنى البلاد على أرضية وطنية خالصة، لا على مربّعات وخنادق طائفية.
كان المواطن العراقي يحلم بأن تُصبح البلاد للجميع لا لأبناء "دولة القانون".. وكانت الناس تعتقد أن قادتها يخافون الله، مثلما يخافون على سمعة العراق وكرامته، فإذا بهم يكتشفون أنّ مسؤوليهم وساستهم يخافون على سمعة دول الجوار أكثر وأكثر.
هناك قادة يختارون طريق السعادة وبناء المستقبل، ولهذا اصبحت سنغافورة التي بلا موارد نفطية، واحدة من أغنى بلدان العالم، وودّع مئات الملايين في البرازيل زمن الجوع والفوضى والفقر في ثماني سنوات فقط، هل يمكن أن نمسح من الأرشيف صورة دبي عام 1970 بشوارعها الترابية ومراكبها الخشبية، التي تحوّلت اليوم باخلاص حكّامها إلى واحة سياحية يدخلها كل يوم عشرات الملايين يبحثون عن الجديد في التكنولوجيا والفن والثقافة والرفاهية. في ذلك الوقت كانت دور السينما والمسارح تملأ شوارع بغداد فيما المعامل تضاء مصابيحها حتى منتصف الليل.
لا حدود في جمهوريات الطوائف والمذاهب، لأيّ شيء سوى المصالح الضيقة، فلا تصدق أنّ مسؤولا شيعيا يمكن أن يقبل بطيب خاطر تعيين مدير لمكتبه من الطائفة السُنِّية، وأنّ سياسيا سنيا سيختار بأريحية، حمايته من الطائفة الشيعية، لأنهم يا عزيزي لا يثقون بالآخرين؟
السياسة تتحول الى عبث حين لا يعرف الحاكم أين يضع قدمه، هكذا اخبرنا تشرشل الذي تستعد بريطانيا بكل اطيافها واحزابها للاحتفال بذكراه.
حكايات الشعوب كثيرة لكن ابلغها ما خطته لنا هذه الجزيرة المعجزة التي وصل دخل الفرد فيها الى اعلى مستوى في العالم، يسأل الزعيم الصيني الراحل دينغ شياو مضيفه لي كوان عن سر تطور هذه الجزيرة الصغيرة "لم تكن معي صريحا. لا بد انك تخفي سرا، كل ما في الصين أرخص سعرا من هنا. الأرض والطاقة والماء واليد العاملة. فلماذا تنجحون انتم ونفشل نحن؟ ما هي الوصفة السحرية التي استخدمتموها"، نظر اليه السنغافوري المبتسم دوما وقال بصوت خافت: وصفتنا السحرية وضعتها حكمة الأجداد وتتلخص في؛ حب الحياة، السعي لمعرفة كل شيء، والاهم الإيمان بقدرة الإنسان على صنع المستحيل.
هناك دول تختار السعادة ، و دول تختار التوازن، شعوب تتطلع الى المستقبل، وشعوب لاتريد ان تفارق سقيفة بني ساعدة.
مبروك عليكم "التوازن"
[post-views]
نشر في: 2 فبراير, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 8
الشمري فلروق
شكرا لك ايها العزيز ... والله لقد اصبت قلب الحقيقه..( لازالت سقيفة بني ساعده)تحكمنا ولم تفارقا ولم نغادرها رغم مغادرة التاريخ لها....كثيرة هي الشعوب التي غادرت بعض احداثها الا نحن الذين نحمل بعض صخور تاريخنا معا في الحل والترحال ..لابل نعتبرها من اولويات
ام رشا
فأستاذ علي المحترم الدول التي تهتم بخدمة مواطنيها بكل المجالات ستخلق أجيال مقبله على الحياة والإبداع والرقي في جميع مفاصلها ،سنغافورة بلد فيها كثافة سكانية عالية بسبب الهجرة اليها من الدول المحيطة بها ويقال ان اول خمس طلاب في العالم متفوقين بالرياضيات وال
بغداد
لقد شخصت مرض هذه الأمة النامت عليها الطابوكة ورايحة سرحانة بقصص الف ليلة وليلة ومنها اسطورة سقيفة بني ساعدة اللي مانعرف أسطورتها بالضبط ؟ اذا وزير خارجية العراق روزخون وحملدار ووزير حقوق الانسان العراقي صار وزير عن طريق الاحلام وعدنان الاسدي. صار وزير دا
ali
السيد كاتب المقال لم تفارق جوهر الحقيقه فلا زلنا شعب لايريد ان يفارق سقيفة بني ساعدة لغرض تنفيذ اجندات الاخرين.
الشمري فلروق
شكرا لك ايها العزيز ... والله لقد اصبت قلب الحقيقه..( لازالت سقيفة بني ساعده)تحكمنا ولم تفارقا ولم نغادرها رغم مغادرة التاريخ لها....كثيرة هي الشعوب التي غادرت بعض احداثها الا نحن الذين نحمل بعض صخور تاريخنا معا في الحل والترحال ..لابل نعتبرها من اولويات
ام رشا
فأستاذ علي المحترم الدول التي تهتم بخدمة مواطنيها بكل المجالات ستخلق أجيال مقبله على الحياة والإبداع والرقي في جميع مفاصلها ،سنغافورة بلد فيها كثافة سكانية عالية بسبب الهجرة اليها من الدول المحيطة بها ويقال ان اول خمس طلاب في العالم متفوقين بالرياضيات وال
بغداد
لقد شخصت مرض هذه الأمة النامت عليها الطابوكة ورايحة سرحانة بقصص الف ليلة وليلة ومنها اسطورة سقيفة بني ساعدة اللي مانعرف أسطورتها بالضبط ؟ اذا وزير خارجية العراق روزخون وحملدار ووزير حقوق الانسان العراقي صار وزير عن طريق الاحلام وعدنان الاسدي. صار وزير دا
ali
السيد كاتب المقال لم تفارق جوهر الحقيقه فلا زلنا شعب لايريد ان يفارق سقيفة بني ساعدة لغرض تنفيذ اجندات الاخرين.