ثلاث دقائق فقط هو الوقت الذي كان يملكه النحات الإيطالي أرتورو دي موديكا المولود سنة 1941 في صقلية كي يضع تمثاله الكبير وسط نيويورك في غفلة من رجال الشرطة الذين استبدلوا دوريتهم تواً . هذه الدقائق كانت كافية بالنسبة له كي يُثبت الثور الكبير الذي صنعه من البرونز بحجم كبير ووزن ثلاثة أطنان ونصف . حدث ذلك سنة 1989 وكانت أعجوبة من الوزن الثقيل وقتها ، فكيف يتم مثل هذا العمل الجريء بهذه الطريقة والبساطة .
هكذا صَحَتْ الناس في مدينة نيويورك لتجد هذا الثور الضخم رابضاً قرب البورصة ومتوثباً للإطاحة بشيء يبدو غامضاً ، وهنا لا يحتاج الحدث الى معجزة كي ينتشر بسرعة ويحتل الخبر الأول في كل الصحف وتتحدث عنه التلفزيونات التي أفردت مساحة كبيرة من وقتها للتحدث عن تمثال كبير جداً للثور الذي يريد أن يطوح شخصاً ما . أحاطت الشرطة بالتمثال واتصلوا بعمدة نيويورك والناس تنظر الى المشهد بغرابة ، حتى اتضح في النهاية أن الفنان الإيطالي دي موديكا هو من قام بفعل ذلك ، حيث قال بأنه قرر أن يضع تمثال الثور الضخم هناك دون استشارة أحد وقد دفع كل تكاليف العمل الباهظة ليختار المكان القريب من بورصة نيويورك المالية لأن الثور المتحفز الذي يوشك أن يرفع رأسه الى الأعلى بحركة استعراضية يشبه حسب رأيه وضعية البورصة التي ترتفع في وقت وتهبط في وقت آخر .
اجتمع عمدة نيويورك مع كل مساعديه وقرروا أن يزيلوا التمثال من مكانه ، لكنهم بعد مناقشات واجتماعات استمعوا الى رأي الأهالي الذين أعجبهم التمثال فأبقوه في مكانه . مع مرور الوقت أصبح التمثال جزءا من المدينة ، بل علامة مهمة للسياح الذين يقصدونه لغرابة وطرافة حكاية هذا الثور العجيب ، وبعدها أصبح شائعاً أن يمسه الناس الذين يمرون بجانبه ويمررون عليه أيديهم كي يجلب لهم الحظ . ومع الأيام تطور وضع هذا الثور العجيب ليصبح رمزاً للتفاؤل والعمل بجد وهذا رد فعل واضح ازاء الأزمة المالية التي يمر بها العالم ، الأزمة التي غطت كل شيء تقريباً ماعدا الثور الذي يعيش سنة بعد أخرى أفضل أيامه متحركاً بجسمه بحركة تبدو ساخرة من كل شيء .
لكن هل انتهى عمل هذا النحات الغريب عند هذا الحد ؟ والجواب هنا بالتأكيد لا ، فهو خطط لسنوات طويلة أخرى بأن يضع تمثالاً جديداً لثوره المحبوب في مدينة صاخبة أخرى ومهمة سياحياً وثقافياً . وهكذا اختار سنة 2012 مدينة أمستردام ليضع الثور فيها أيضاً في منتصف الليل بعيداً عن مراقبة الشرطة والحراس وكل شيء يمكن أن يعيق وضع التمثال الذي تدرب طويلاً كي يستطيع أن يثبته خلال ثلاث دقائق فقط . وهنا قررت بلدية أمستردام أن تزيله من مكانه لأنه يخالف شروط وضع النصب والتماثيل في هذه المدينة العريقة ، لكن المحافظ قرر في النهاية أن يبقى التمثال في مكانه ليصبح جزءا من المدينة ومقصد زوارها أيضاً .
والفنان دي موديكا يعيش في نيويورك منذ زمن بعيد ويعتبره الأمريكان فناناً أمريكياً ، وهو بعد تمثال الثور وحكايته النادرة أصبح معروفاً على نطاق واسع حيث تباع تماثيله بأسعار خيالية وتطلب دول عديدة تماثيله وأعماله .
ورغم الهدوء الذي يغلف حياته التي تميل الى البوهيمية بملابسه البسيطة ولحيته الطويلة ، فأن الكثير من المتابعين لا يهدأ لهم بال وهم يراقبونه من بعيد بانتظار أن يربض الثور من جديد على رصيف مدينة جديدة وقرب البورصة بالتحديد وأيضاً بعيداً عن أعين الشرطة.
نحات ينصب تماثيله في المدن سراً أثناء الليل
[post-views]
نشر في: 7 فبراير, 2015: 12:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...