قرار رفع حظر التجوال الليلي في العاصمة بغداد، بعد مرور تسع سنوات بالتمام والكمال على فرضه، استقبلته الأوساط الشعبية بارتياح كبير، وخاصة من قبل سائقي سيارات الأجرة وأصحاب مطاعم الباجة المنتشرة في شارع السعدون والممتدة من ساحة التحرير وحتى مبنى المسرح الوطني ، وشاركهم في فرحتهم أصحاب محال بيع "المكسرات " الجوز واللوز والفستق ابو العظم والكازو والبندق، وبسبب اللبس في فهم مفردة "المكسرات" وما تعنيه باللهجة الدارجة، فضلا عن أسباب اخرى تتعلق بحفظ الأمن، اجتهد صاحب القرار،وفرضوا حظر التجوال الليلي، بدعم وتأييد زعماء سياسيين لطالما انتقدوا انتشار البارات والملاهي الليلية بالقرب من مقار أحزابهم وأماكن إقامتهم وفضائياتهم ، والمعروف عن تلك الملاهي والمنتديات الليلية انها تشهد في مواسم قرب إجراء الانتخابات التشريعية والمحلية نشاطا دعائيا لجميع القوائم، وعلى إيقاع أغاني الهجع، ورعشات الصدور ورجف الارداف والبطون، يهتف احد رواد الملهى باسم زعيم القائمة، فتنهال العملات الورقية من فئة خمسة وعشرين الف دينار تحت اقدام الراقصات، وهلا برجال الجوبي، وعلى هذا المستوى من "المكسرات" تتعزز التجربة الديمقراطية وتتحقق التنمية الاقتصادية والبشرية ، وتحترم حقوق الانسان، يرافق ذلك تطور ملحوظ في تقديم الخدمات وإعادة بناء ما دمره الأشرار بسواعد الأخيار الأبرار.
رفض حظر التجوال الليلي ليس كافيا لاستعادة عافية بغداد، فلابد ان يشمل جميع الشوارع في العاصمة وبلا استثناءات، وخاصة في حي الكرادة والعرصات والجادرية، حيث مقر ومكاتب عشرات الاحزاب والتنظيمات السياسية ومنازل المسؤولين واعضاء مجلس النواب، ومن كان منهم يخشى الهجمات المسلحة والاعتداءات الارهابية عليه ان يقدم طلبا بنقله الى المنطقة الخضراء المحصنة، ويترك الأحياء لأهلها، لينقذهم من كتم انفاسهم، فيحسب له هذا الموقف الوطني الشجاع، ليضاعف رصيده الجماهيري ويؤهله لخوض المنافسة الانتخابية المقبلة.
احياء الدورة البياع والعامرية والسيدية وحي العامل والجهاد هي الاخرى مازال سكانها يعانون غلق شوارعها ويبدو ان القادة الامنيين الميدانيين جفت ذاكرتهم، وما عاد احدهم يتذكر متى اغلق الشارع، منتظرا صدور اوامر من الجهات العليا لفتحه، ولكي تحافظ قيادة عمليات بغداد على "حلاوة المكرمة الجديدة " ينبغي لرجالها الاشاوس زيارة تلك الاحياء ليتعرفوا على معاناة سكانها، ولاسيما ان بعضها اصبح منزوع السلاح، لعل الزيارة تسفر عن انجاز تاريخي عظيم بفتح شوارع مغلقة منذ العصور السومرية.
مكرمة رفع الحظر بحاجة الى المزيد من الاجراءات الاخرى لكي تعوض انحسار نشاط اصحاب مطاعم الباجة وبيع المكسرات خلال السنوات التسع الماضية، بإحياء دور عرض السينما والمسارح بمنحها لمستثمرين وتحت اشراف ورعاية وزارة الثقافة عسى ان تستعيد بغداد ليلها المفقود، ويتخلص بائع "المكسرات " من لعنة سوء الفهم.
يا فرحة ابو الباجة
[post-views]
نشر في: 8 فبراير, 2015: 11:34 ص