اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > صلاحية العيش في عرض "للعيش صلاحية"*

صلاحية العيش في عرض "للعيش صلاحية"*

نشر في: 9 فبراير, 2015: 02:53 ص

قراءة غير نسقيه لعرض مسرحي
 
 يتشكل العرض المسرحي المعاصر وفق اشتراطات راعية لطبيعة الحياة الراهنة والتي تعمل على توظيف الثقافات الاجتماعية والفكرية ، فضلا عن الوعي بالتبدلات الكونية والأدائية المنبثقة من عدة تيارات فلسفية أثثت لذاتها بنا

قراءة غير نسقيه لعرض مسرحي

 

 يتشكل العرض المسرحي المعاصر وفق اشتراطات راعية لطبيعة الحياة الراهنة والتي تعمل على توظيف الثقافات الاجتماعية والفكرية ، فضلا عن الوعي بالتبدلات الكونية والأدائية المنبثقة من عدة تيارات فلسفية أثثت لذاتها بناءً على محمولات إنسانية اجتماعية / سياسية / اقتصادية/ استهلاكية ، وهي تمتلك حراكها الكوني طبعا . وهو ما تمظهر في طروحات مابعدية تتفرع على عدة مسارب منها ما بعد الصناعية ، ما بعد الفوردية ، العولمة وما بعد الحداثة ، ساعية لتفعيل فكر أدائي ماثل في الحياة الاجتماعية.

والمسرح بشقية ، النظري / النص ، النقد المسرحي ، النظريات المسرحية / والعملي/ العروض المسرحية المتنوعة في الكيروغراف ، الرقص المسرحي ، البانتومايم ، وباقي الاداءات الجسدية، يحاول الامتثال لتلك التيارات التي عصفت بالحياة الفكرية القادمة من أطر الضرورة والحتمية التطورية للحياة بكل أشكالها . امتثالا يؤكد أهمية الفعل المسرحي العاكس لكل فكر ومحايث لكل تطور عبر فاعليته التي منحته القدرة على ذلك.
ففي العرض المسرحي ( للعيش صلاحية ) ، ثمة تواؤم أدائي مع النموذج ما بعد الحداثي الذي يرتكز الى التعبير عن متناقضات الذات والوعي الاجتماعي وتبسيطه ووضوحه ، ومن ثم فهناك ارتدادات هذا الفكر الحاضرة في هذا العرض المسرحي ( للعيش صلاحية) .ومنها اعتمادها أداء صوريا ، أداء جسد، أداء صوت يأتي عبر آلة (تسجيل) ، وبعدا أداء موضوع متشظٍ متباعد ، متقارب ملتئم ، وهذا متأت من وعي النص المفكك لمأساة إنسانية ، لمأساة الإنسان المعاصر ووجوده في هذا العالم المتشظي والتي حاولت ما بعد الحداثه جمع وتقريب متناقضاته .
حاول النص (للعيش صلاحية) متمترسا خلف فكرة إنسانية ان يؤسس لتنويعات فعل الماء ، هذا الفعل الأساسي لوجود الوجود ، (وجعلنا من الماء كل شيء حي) *، فللماء تحولات انبثقت داخل النص باتجاه فضاء العرض الفكري والفني ، لتتشكل عدة افتراضات واقعة ، فيما لو كان الماء أداة سلطة لسلب صلاحية إنسان . او أداة لمسخه ، او لتغيير دفة ما يمتلك من وعي ، وهوما يجعله هدفا او بيدقا بيد السلطة القمعية ، لهذا كان الشخص ( طالب الصلاحية) إزاء السلطة متهالكا يسعى للحصول على تلك الصلاحية لتسكين وجوده.
لذا فأن الماء ، سواء في النص ام العرض ، كان يحيلنا الى آلية (وجود ) ، والى قدرة الكاتب في توظيف مفردة يريد من خلالها ان يوصل هما اجتماعيا / محليا / كونيا ، فعبر الماء حاولت السلطة محو ذلك الوجود لكون الماء يشكل مطلبا فكريا وفنيا جماليا ، يقابله في الحياة الإنسانية ما يعني استحقاقات الإنسان وحقه واحترام ذلك الحق الماسك للوجود ، وليس سعي السلطة لضرب هذا الوجود وتدميره ليحل محله وجودها القسري .
كان الفعل الأدائي متصاعدا في مرة ، هابطا في اخرى ، لم يكن مستقرا ، ما يوحي لنا بان جمالية الإيقاع في تنوعه وليس في تصاعده ، فكان الأمر مدروسا من قبل المؤلف (د.عامر حامد) الذي كتب مجموعة من النصوص من أهمها (أوهام زمن مجنون ،تخيل الكلمة المفقودة ) ، مع وجود مخرج له خبرات لا يستهان بها شكلت فعلا ملموسا في خارطة المسرح الحلي ، بحيث أدى ذلك الى اعتماد تجربة ربما تكون جديدة ، وهي تجربة تسجيل الحوارات (دوبلاج) وتبث أثناء العرض ليتعامل معها الممثل بالجسد والحركة ، اذ يأخذ الجسد مداه التعبيري عبر خلاص الممثل من الكلمة المنطوقة وبالمقابل يأخذ الممثل على عاتقه الأداء بكليته .تلك كانت مائزة العرض التي جعلتنا نشير اليه بالإبداع .فكان التلاعب بوعي الانسان اثناء العرض صادرا من مفردات العرض الجمالية ذاتها (طابوق متراكم ، مجارف ، ستارة خلفية ، دلو ماء فارغ) وهي مفردات شكلت سلوكيات السلطة المنحرفة والساعية لمسخ الانسان البريء الناشد للسلام والمحبة والحياة، ولقد اشتغلت تلك لمفردات بحيوية رائقة بناء على اداء الممثلين (د.عامر حامد / نؤلف النص ود.علي رضا/ مخرجه ) .
لقد رافق تحول الماء في ترسانة العرض السينوغرافية بعض تحولات أدائية وصل فيها الانسان (طالب الصلاحية/ الماء ) الى متاهات قاتمة واختبارات فوضوية / سيزيفية ، عمدت الهيمنة السلطوية على إجباره في ان يمر بها ، فضلا عن تعمدها في إفشال نجاحاته. ولقد لاحظنا وجود كل شيء في العرض عدا (الماء /الصلاحية) ، طابوق يتم بناؤه بلا جدوى ، لأنه سرعان ما يتهاوى ، دلاء الماء الفارغة دائما ، مجارف حفر الأرض للبحث عن الماء دون طائل ، وبرغم كل ذلك كان الماء حاضرا بالفعل وبالقوة ، فلا وجود بلا ماء ، وهنا حاول العرض عبر أداء صوتي تم تسجليه ، وأداء جسدي وصوري حركي على رسم فضاء سينوغرافي مفتوح وإضاءة ملونه غاب عنها اللون الأبيض ، بين الأحمر والأصفر لارتباطه بفعل السلطة وادائها ، بحيث كان ذلك الفضاء المفتوح ، أساسا لتشكيلات عوالم منوعة متعددة ، فمن وجود لجنة اختبار صلاحية ، الى أماكن أداء صلاة ، الى فضاء فوقي /الارض ، يقابله فضاء تحتي/ تحت الارض، لذلك كانت ثمة مقدرة عالية في تشكيل مبثوثات صورية أسست لعرض تصاعدت منه جماليات شكلية نابضة .
لقد كان هذا العرض عبر تجريبية جديدة (تسجيل حوارات الشخصيات وبثها كمؤثر صوتي تتحرك وفقه الشخصية) مثار جدل بين المتابعين للعرض على اختلاف رؤاهم ومرجعياتهم الفكرية والثقافية ، إلا أن هذا العرض حاول وبكل قوة ان يوصل رسالة كونية مفادها ( إزاء اي سلطة شمولية لايمكن للانسان ان يحصل على صلاحية للعيش).
• مسرحية قدمت في كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل يوم 17/3/2014 ، من تأليف د.عامر حامد الربيعي وإخراج د.علي رضا بقلي .. وتمثيلهما معا.
• سورة الأنبياء ، الآية 30

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram