عبر تاريخ المسرح في العالم حدثت تغيرات في المفاهيم وتحولات في الاساليب وتنوعات في التيارات والمدارس الفنية، وعلى وفق التغيرات والتحولات التي تحدث في المجتمعات في مجالات الاقتصاد والاجتماع والسياسية تجد لها انعكاسات في حاجات الانسان ومتطلباته المعيشية والفكرية. وعندما حدثت الثورة الصناعية في اوروبا وتحولت المجتمعات من الريفية الى الحضرية وانشئت المعامل الكبيرة التي اجتذبت جماهير العمال الغفيرة وتغير الوضع السلطاني واخذ الانسان يبتعد تدريجياً عن الخرافة والمثل العليا التي آمنت بها المجتمعات من قبل وراح يتفهم الواقع المعاش ومتطلباته.
فتغير مسار فكره وحلت قيم جديدة في ذهنه وانعكس كل ذلك على مضمون وشكل العمل الفني عموماً والمسرحي على وجه الخصوص، واصبح عامل إقناع المتفرج بما يرى ويسمع من الضرورات لذلك أصبحت محاكاة الواقع بتفاصيله وتحقيق مبدأ الإيهام به من الضرورات ايضاً.
مع ظهور الواقعية ، لم تغب التيارات الفنية القديمة عن الساحة المسرحية بل بقي لها ساندوها ومتذوقوها كما لم تمر على حياتها مدة طويلة حتى ظهرت تيارات جديدة اخرى لتأخذ دورها في العمل الفني كالرمزية والتعبيرية، وظهر تيار المسرح الملحمي والمسرح الوثائقي ومسرح اللامعقول والحبل على الجرار.
وعلى الدوام كان هناك من يعارض التيارات الجديدة بل ويحاول منع أصحابها من المزاحمة، ففي فرنسا مثلاً كانت مسرحيات النرويجي (ايسن) محرمة لكونها خارجه على التقاليد والأعراف السائدة: في حين حاول مؤيدو التجديد ان يتبنوها ويعرضوها على الجمهور.
وكان (اندريه انطوان) من اولئك المجددين ففي عام 1883 أسس فرقة مسرحية سماها (فرقة المسرح الحر) مستعيراً الاسم من قول لفيكتور هوغو، وكان معظم اعضاء الفرقة من الهواة، وراح (انطوان) يغرد خارج سرب المسرح الرسمي – المسرح السائد أواخر القرن التاسع عشر في فرنسا وفي باقي بلاد اوروبا، وتبنى في برنامجه المسرحيات التي كانت مرفوضة من الفرق المحترمة ومنها مسرحيات ابسن وهونتيمان وزولا. ولكي يتخلص من سوط الرقابة فقد راح يقدم عروض مسرحياته في أماكن منزوية غير بنايات المسرح التقليدية، وبذلك تحرر من الشروط المفروضة على عروض المسرح الرسمي ومنها تقديم المسرحيات الكلاسيكية او الرومانتيكية وبأشكال مسرحية تبتعد بنسبة او اخرى عن الحياة الواقعية والتي التزم بتقديم تفاصيلها على خشبة المسرح في جميع عناصر الانتاج المسرحي ابتداءً من التمثيل البعيد عن التكلف والاصطناع والمبالغة في (الأداء الصوتي والجسماني ومروراً بالدقة التاريخية للأزياء والمناظر وانتهاءً بالإضاءة وتبرير صدورها من مصادر طبيعية او اصطناعية وكل ذلك استناداً الى مبدأ (الإيهام بالواقع) وتأكيد وجود (الجدار الرابع) في الفرقة المسرحية.
وسمي مسرح انطوان ايضاً (المسرح المستقل) لكونه استقل عن مسار المسرح الرسمي السائد في أشكاله ومضامينه وقد ظهر له مناصروه حيث شكل الالماني (اوتوبرام) والانكليزي (جي تي غراين) فرقتين تنتهجان النهج نفسه الذي سارت عليه فرقة انطوان في فرنسا، وسميت تلك الفرق بالمسرح المستقل لأنها استقلت حتى عن فرقة الدولة او الفرق التي ترعاها وتمولها الحكومات وكانت الفرق المسرحية الأهلية في العراق كفرقة المسرح الحديث وفرقة المسرح الشعبي مشابهة لفرق المسرح الحر او المستقبل الأوروبية.
ماذا يعني (المسرح الحر) أو (المسرح المستقل)؟!
[post-views]
نشر في: 9 فبراير, 2015: 02:53 ص
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...