لا احد منا يصر على حرية تعبير مطلقة وبلا قيود، لان الكلام والكتابة مثل بقية التصرفات خاضعان للظروف والشروط. وكل السلوك البشري بحاجة الى تنظيم. بل ان المجتمعات الغربية لم تتفوق علينا الا بعنايتها الشديدة بالتنظيم. والتصنيف والقدرة على وضع تعريفات محددة، ومعايير تخضع لصيانة مستمرة.
وما يضاعف من الحاجة لتنظيم حرية التعبير، هو ان عدد المستفيدين من هذه الحرية يكبر ويزداد، وحتى كبار السن في عوائلنا صاروا مغرمين بالوتساب وتويتر، وفجأة شعرت الشعوب بان في وسعها ان تتكلم بنحو مؤثر، لكن ليس لدى الجميع خبرة كافية بهذا السلوك الجديد.
وهذا الامر كما يبدو جعل السلطة القضائية تتحدث عن ان الفيسبوك سيكون مشمولا مثل اي منشور صحفي اخر، بامكانية رفع دعاوى قضائية واصدار احكام بالسجن او الغرامة، وربما رأى قضاؤنا الكريم ان برامج المحادثة مثل الفايبر ووتساب مشمولة ايضا اذا كان الحديث يجري في مجموعة كالتي تشيع هذه الايام وبعضها يضم ٢٠٠ عضوا، ما يعني ان اي شيء تقوله سياخذ صفة العلانية، ويمكن ان نطبق عليه معايير القذف والتشهير.
ومبدئيا لا اجد ممانعة فيما يرغب به القضاء، بل ان دور الجهات التشريعية والقضائية هو التفكير بجدية، في تنظيم حرية التعبير في بلادنا، والتي استخدمها كثيرون في تشويه قضايا السياسة والمجتمع والدين وصناعة فتنة طائفية رهيبة، ادت الى تقليص فرص الاعتدال السياسي، واورثتنا ويلات حرب لايبدو انها قصيرة.
الامر اذن ليس ترفيا، بل نتحدث عن كلمات ودماء في حقيبة واحدة، ولكن المهمة الخطيرة في هذا الباب يجب ان تضمن قضيتين:
الاولى ان يجري تأهيل القضاء (ولا اعلم كيف) ليكون لدينا محكمة تؤمن بضرورة حماية حرية التعبير، وان تنظيمها لا يعني قمعها. ونحتاج كذلك محكمة تؤمن بان دورها هو النطق بالعدالة، لا الانحياز للسلطة ضد الانسان العادي. ونحتاج جهدا ووقتا كي نضمن هذه الشروط، وبخلافها سنظل نعترض ونشكك، والاهم اننا سنظل نخسر وجود طرف حكيم مدبر يفصل بين نزاعاتنا الكلامية الدامية احيانا، ويكفي هذا لتصور حجم تخلفنا السياسي والثقافي كأمة.
اما الشرط الاخر في قبولنا بتقييد او تنظيم حرية التعبير، فهو ان نحصل على قوانين محترمة كتلك السارية في بلدان العالم المتقدم، لانك اذا طبقت التشريعات النافذة حاليا، والتي قام صدام حسين بتعديلها على هواه، فان معظم العراقيين سيجدون انفسهم في الحبس، وهذه فضيحة اخرى بعد ١١ عاما على سقوط الدكتاتورية، وهو امر تحذرنا منه المنظمات الدولية المحترمة منذ سنوات عدة، ونحن منشغلون بالسيدات فتلاوي ونصيف، والسادة لهيبي والحسن.
وهذا الشرطان غير متوفرين اليوم، ولذلك فان محاكمنا وتشريعاتنا غير مؤهلة لتنظيم صحيح ومناسب لحرية التعبير، ما يعني ان علينا التفكير بجدية في تحديث بنيتنا القضائية والقانونية، والا فاننا سنفشل في كل شيء.
والذنب لا يقع على عاتق القضاء والبرلمان فقط، بل تتحمله مؤسساتنا المعنية بحرية الكلام ايضا، فكم مرة طلبنا دراسة عن التشريعات الحديثة المطبقة في العالم المتقدم، وكم انفقت المنظمات من مال ووقت، دون ان تنجز هذه الدراسة.
وفي وسع دراسة كهذه ان تصبح مادة تثقيفية بشأن حرية الكلام، نقوم بتدريسها لتلاميذ الابتدائية، ولقضاة المحاكم، وللصحفيين ومستخدمي الفيسبوك واعضاء الحكومة، بلا فرق، لاننا امة انفقت وقتها في الحروب والموت، وفاتها الكثير من اسباب التمدن.
ان الفشل في تنظيم حرية الكلام، سيعني فشلا في ادارة علاقاتنا السياسية والدينية، وسيعني استمرارا لعوامل الموت، موتاً سببه في الغالب، ضعف قدرة التنظيم والتدبير.
نعم لتنظيم حرية الكلام
[post-views]
نشر في: 9 فبراير, 2015: 06:03 ص
جميع التعليقات 2
د. سمير البغدادي
من الناحية المبدئية،أنا ضد هذا القانون بالمطلق. أما لماذا ؟ لأن السلطة الحالية أو أي سلطة مشابهة في العقلية والتوجه، ستستخدم هذا القرار لغلق الأفواه وخندق حرية النقد، وفضح الفساد والمفسدين وهم كثرو ! فإذا انتقدت المالكي، وقلت أنه فاز بالتزوير وشراء ال
د. سمير البغدادي
من الناحية المبدئية،أنا ضد هذا القانون بالمطلق. أما لماذا ؟ لأن السلطة الحالية أو أي سلطة مشابهة في العقلية والتوجه، ستستخدم هذا القرار لغلق الأفواه وخندق حرية النقد، وفضح الفساد والمفسدين وهم كثرو ! فإذا انتقدت المالكي، وقلت أنه فاز بالتزوير وشراء ال