TOP

جريدة المدى > سينما > فيلم "مع أني أعرف أن النهر قد جف"

فيلم "مع أني أعرف أن النهر قد جف"

نشر في: 11 فبراير, 2015: 06:32 ص

يعتمد مخرج الفيلم القصير " عمر روبرت هاميلتون"  على المؤثرات السمعية والبصرية المؤدية الى إثارة الحواس والشغف في تتبع الحركة،  لمعرفة ما هو المضمون بالكامل،  فللبحر الذي بدأ به الحركة التصويرية عمقه،  ولصوته دلالة على الصراع النفس

يعتمد مخرج الفيلم القصير " عمر روبرت هاميلتون"  على المؤثرات السمعية والبصرية المؤدية الى إثارة الحواس والشغف في تتبع الحركة،  لمعرفة ما هو المضمون بالكامل،  فللبحر الذي بدأ به الحركة التصويرية عمقه،  ولصوته دلالة على الصراع النفسي العاصف بالإنسان التائه بين وطنه المحترق بالحروب والاحتلال الذي يقيد الإنسان،  ويجعله مكبلاً وهو بين أهله وعلى أرضه فلسطين  الموجوعة مع أهلها،  والخائفة من المجهول،  والمحاربة من اجل المستقبل،  فما بين الهجرة والبقاء طفل سيولد،  فهل من سلام يولد على غير ارض الوطن؟ 
 
دراما في فيلم قصير مؤثر عاطفيا ومشاهد مترابطة مع الحركة المفتوحة على معاني الحيرة والندم، والوجع، والأسرة المتماسكة لابن أراد العودة الى فلسطين بعد هجرة تتجدد بمختلف الأشكال الزمنية حيث الذكريات تلعب دورها، والعاطفة لها تأثيراتها والسياسة تتسبب في نزوح الكثير من من أبناء فلسطين الى الخارج، ولكن السؤال هل ينسى ابن فلسطين أرضه؟ لنحصل على الجواب في نهاية الفيلم من خلال استنتاجات بصرية عصفت بحواس المتلقي، وتركته يلمس الضغوطات النفسية التي يتعرض لها كل فرد في فلسطين ، فالفلسطيني يتمسك بالعودة مهما طال الغياب او الانتظار، ومهما زادت لغة القتل والدمار وسلب الحريات وحقوق الإنسان منذ بداية الاحتلال وحتى الآن . 
يبحث بطل الفيلم عن الأمان لابنه الذي ما زال جنينا في بطن ام خائفة على مستقبل من ينمو في أحشائها، وأم تنصح ابنها بالعودة بتكرار لا يمل منه المشاهد ولا سمع المتلقي ارجع ..ارجع..، فصوت الأم يهدر كالبحر ما بين الحنان والغضب لمسة حسية تجمع بين القوة والضعف في صوت فلسطينية تريد من ابنها العودة رغم كل الأخطار المحيطة بها قائلة " ارجع لبلدك " ما بين الهوية الفلسطينية والباسبور لأميركا خطوات مقيدة كموج يلفه الزبد، وحيرة تملأ القلب قهرا ، رغم ان خلف الحدود ترتسم حرية ما، ولكن في الحقيقة ما من حرية يشعر بها الفلسطيني وهو يشعر ان أرضه مغتصبة . لأنه كلما ابتعد زاد إحساسه بالانتماء لفلسطين، فهل يخاطب المخرج " عمر روبرت هاميلتون" بفيلمه القصير أبناء فلسطين لتحفيزهم على العودة؟. أم أن السفر لخارج فلسطين لا يعني أن لا عودة .
فيلم ذو صبغة درامية وطنية يتيح للمشاهد العودة بالذكريات الى حروب سنة 1948 دون الحاجة الى مزيد من المشاهد . لان الذاكرة الفلسطينية يكفي ان تمر أمامها مشاهد الحروب والاقتتال لتشعر بوجوب التحرير والبحث عن الحرية ، وهذا ما حاول قوله بطل الفيلم " قيس ناشف" وهو يناشد الحرية مستخدما الواقع في إبراز المفهوم العام للفيلم من وجع الأم والإصرار للعودة، وبنفس الوقت خوف الأم الشابة للخروج من فلسطين، ولكن للحنين أصالة لا يمكن نكرانها، وللكلمات وقع السيف، فالمعالجة الموضوعية لأشكال الفيلم الفنية ارتبطت ببعضها البعض، وضمن حبكة رؤيوية اكتملت فيها الأفكار والرموز التي تركها في كل مشهد لتؤدي دورها في استكمال الرؤية. 
حدث يستحق المعالجة الفنية ليقدم في فيلم قصير مدته لا تتخطى العشرين دقيقة ، وضمن عاطفة تحمل عدة نقاشات. اذ لا بد لمن يخرج من فلسطين ويفتقد للحرية من الإحساس بالواجب تجاهها ، كالإحساس تجاه الأم تماما والعودة الى أحضانها ، وبمصداقية يشعر بها كل فلسطيني بشكل خاص . اذ تنقل الصورة إشاراتها الرمزية بمرونة دراماتيكية وظفها " عمر روبرت " في ملامح الحمل والمرحلة الجنينية، وفي القبر الشاهد على الموت بعد ممارسات الظلم والقهر والموت ، ومن خلال نبات الصبير والولاعة ذات الذكرى الجميلة التي أهداها له الأخ المتأكد من استرجاع الولاعة من أخيه حين يعود. ليستفز به واجب العودة والتمسك بالأرض والأسرة وبالذات الفلسطينية التي نشأ على أصالتها، والجدار الفاصل والحواجز الحديدية وأصوات القصف وصور الدمار، والاهم من ذلك رواية مواسم الهجرة الى الشمال الرواية التي احتفظ فيها ليجد في داخلها صورة قديمة ترمز للعائلة وللوطن . 
حمل الصوت تناغمات مؤثرة حسيا وحوارات عميقة المفهومة ما بين الصوت والصورة، والمعنى فقد استطاع " باسل عباس" فتح العدسة على طبيعة خارجية باتساع نسبي. ليلاحظ من خلالها المشاهد ما أراده المخرج ، ليخلق نسبية بين هذا وذاك ، ويترك استنتاجاته التصويرية في الفيلم، وضمن المناظر الداخلية مع التعتيم الملازم والجزئي من خلال مشاهد تعذيب الأخ التي بقيت مستترة ، واكتفى فقط برمزية الصورة المنسجمة مع المشهد اللحظي . 
" رجعتونا للبداية " كلمات يقولها بطل الفيلم" قيس ناشف" ليمثل صراع الأجيال بين الحرية والعودة وتحرير الأرض حتى انتشار السلام الكامل . ليعم فلسطين وتحيا الأجيال القادمة دون خوف، فالفيلم معالج دراميا وأشبه بالتوثيق الرمزي بمراحل منه تاركا للمشاهد صياغة الفيلم ذهنيا كما يشاء، وكأنه يترك الأسس الأولية للرؤية الفلسطينية في حق العودة لنسمع بصوت قيس ناشف " بلدي" والفكرة الأساسية بتسلسلها الجميل .
كيف ضيعتك؟ من يا ترى فلسطين أم زوجته أم الأخ الذي افتقده ؟ ليجسد حقيقة اجتماعية يسعى اليها الشباب عند سعيهم للهجرة حيث تباينت المعاني تباينا تصويريا من اجل شد أواصر الحبكة بكل مفرداتها الفنية من تصوير وصوت، وحركة درامية في المشاهد. لإضفاء طابع مشكلة الهجرة من فلسطين والحنين للعودة اليها، فالصور ذات الزوايا القريبة تنسجم انسجاما جماليا تبوح بتفاصيل وجه" قيس ناشف" او الأم بعكس ما هو بعيد عند صورة الأخ الجالس على الكرسي، وكان الممثل يحاكي الكاميرا بحميمية تصل بمصداقية للمشاهد. ليخاطب الجمهور بحبكة سينمائية تتسم بالمشاركة مع المتلقي حيث يفتح المخرج " عمر روبرت هاميلتون" للجمهور مشاركته في صياغة الحبكة التي ينتظرها حتى نهاية الفيلم. 
" هون الحرية " لان الحرية لا تكون الا على الأرض التي نحن منها حيث الانتماء الأقوى للوطن برغم كل القيود المفروضة من الاسرائيليين، فبعض الصور من الأرشيف تؤكد على انتهاكات حقوق الإنسان، ولو بلمحة بسيطة منها الطفل الذي يصرخ أمام الجندي الإسرائيلي .فماهية الفيلم تتجلى في العناصر مجتمعة وبالفكرة المؤمن بها المخرج " عمر روبرت هاميلتون" لإيصالها بقالب تحفيزي يتشارك به معه ليبني الرؤية السينمائية بعاطفة يميل معها المتفرج ويتأثر وطنيا. مما يحقق دور الفيلم في استنتاج يحظى بعقلانية تسمح بالتفكر بحق العودة. 
"مع أني أعرف أن النهر جف" هو أول فيلم مستقل وجماعي التمويل ينتج في العالم العربي بعد الانتفاضات فيه، لصانع الأفلام والمنتج والمصوّر المقيم في القاهرة " عمر روبرت هاميلتون" . عُرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان روتِردام السينمائي الدولي عام وفاز بجائزة UIP، ورشح لجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان جوائز الفيلم الأوروبي، وفاز بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان أبو ظبي السينمائي.وهو مشارك حاليا في مهرجان عن قرب للأفلام والوثائقيات: نظرة مقرّبة على قصص من العالم العربي الجديد، الذي سيمتد على مدار أربعة أيام فيها الكثير من العروض والمحاضرات والنقاشات وورشات العمل. أقيم المهرجان على مسرح BBC Radio Theatre في مبنى بي بي سي العريق( Broadcasting House) وسط لندن من 31 تشرين الأول / أكتوبر إلى 3 تشرين الثاني / نوفمبر 2014.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. عبدالقادر المعيني

    اشارة جميلة للجمهور . وهو يعلم الكاتب ان الجمهور هو الانتظار للمؤثرات السمعية والبصرية . والعنوان مع أني أعرف أن النهر قد جف . ذكر الامام علي عليه السلام ان التوبة لله سبانه وتعالى تشير الى فروض الجسد ولكل اجزاء الجسد فرض هناك دائما في تسمية فيلم مشاهد ل

  2. عبدالقادر المعيني

    اشارة جميلة للجمهور . وهو يعلم الكاتب ان الجمهور هو الانتظار للمؤثرات السمعية والبصرية . والعنوان مع أني أعرف أن النهر قد جف . ذكر الامام علي عليه السلام ان التوبة لله سبانه وتعالى تشير الى فروض الجسد ولكل اجزاء الجسد فرض هناك دائما في تسمية فيلم مشاهد ل

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

السينما كفن كافكاوي

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram