TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الشيعة لم يجتثوا البعث

الشيعة لم يجتثوا البعث

نشر في: 11 فبراير, 2015: 06:23 ص

لا يوجد عراقي الا وهو ضحية للبعث. انهيارنا كدولة ناجحة، هو نتيجة سياسات بعثية خاطئة، واحلام بعثية غير مشروعة، وقراءة بعثية مغلوطة لقوانين المنطقة والعالم. ولا شك ان علينا التخلص من البعث كسبب لانهيارنا وفشلنا. وكل عقلاء البلد لا يترددون في صحة هذه العبارات كما احسب، من اي طائفة او جهة كانوا.
بل ان حزب البعث نفسه تعرض لظلم عصابة بعثية استولت عليه، وساقت قادته ومفكريه الى الاعدام او النفي، حينما نجح الجناح المتخلف في البعث، في هزيمة الجناح الاقل جنونا او الاكثر اعتدالا، وكانت النتيجة هي انهيار شامل بطيء وعميق، سنظل ندفع ثمنه زمنا طويلا.
من هذا المنظور علينا ان نراجع اليات اجتثاث البعث طوال ١١ عاما، وسبيل مكافحة البعث لربع القرن المقبل، وبدون صراحة كبيرة في هذا الاطار، سنظل نتخبط ونغطس في الفشل، وتضحك علينا القوى الصغرى قبل الدول العظمى.
ومن هذا المنظور يمكنني القول ان الشيعة الذين امسكوا بمعظم اسباب السلطة، لم ينجحوا في اجتثاث البعث، رغم انهم قاموا بمعاقبة عدد كبير من البعثيين، وجميعنا نتخبط اليوم في تحديد ما ينبغي فعله في هذا الاطار، وتشوش الشعارات، كل الدواعي المتعقلة التي نحتاجها في لحظة خسارتنا الموجعة.
ان اجتثاث البعث، هو اجتثاث رؤيتنا الخاطئة للعالم، والتي ورطتنا في عداوات لا تحصى. لكن وبعد ١١ عاما على سقوط البعث، لم تتغير نظرتنا الى العالم كثيرا، ولذلك فان الزائر الاجنبي حين ينزل في بابل او البصرة (ولا اقول الانبار طبعا) يشعر بانه في مدن معزولة عن العالم، غير طبيعية، ومستفزة، لديها شكوك كبيرة مبالغ فيها بالاجانب. ولذلك لم نحصل على ثقة دولية ولا اقليمية مناسبة، رغم كل التنازلات التي قدمناها.
واجتثاث البعث، يعني التخلي عن الارتجال والتسرع في صوغ القرارات، وتدريب النفس على الانصات لاستشارات صحيحة قبل اعتماد نهج او سياسة عامة تؤثر على حياة ملايين العراقيين. كما ان اجتثاث نهج البعث يعني اختيار افضل الكفاءات ووضعهم في المناصب المهمة والحساسة، لكي ينجحوا في تحسين حال ملايين العراقيين، لان البعث كان يتسرع فيخطئ، ولان البعث كان يطرد كثيرا من الكفاءات ويضع الجهلة امثال حسين كامل في اصعب المواقع، وبدل ان نقوم باجتثاث هذه القاعدة رحنا نقوم بتطبيقها، وفي وسعك اليوم ان ترى كيف ان معظم احزابنا، تضع الضعيف نصف الجاهل وغير الامين، في اخطر المناصب، وتقوم باستبعاد الكفوء المعروف بالحكمة والتدبير، دون اي خجل من الجمهور ولا تفكير بمصير ملايين المواطنين الموجوعين باخطاء السلطة.
ووسط كل هذه السياسات الخاطئة التي تكررها منذ ١١ عاما، احزاب كبيرة دونما حياء، ياتي انصاف الساسة ليضحكوا على الجمهور ويقولوا له: ان الحل هو في مواصلة اجتثاث البعث!
ان اجتثاث البعث لا يعني ابدا ان نلاحق الضباط والاكاديميين، ولا ابناء طارق عزيز ولا حتى احفاد صدام حسين، بل يعني ان نأتي الى ضحايا البعث وجيش الارامل والايتام، ونؤمن لهم حياة كريمة، وامانا يستحقونه، لتعويضهم عما فات، ولنضمن لهم مستقبلا خاليا من امثال صدام حسين، لكن ما حصل هو اننا عاقبنا بعض البعثيين وطردناهم وجلسنا مكانهم، وبقينا نكرس السياسات الخاطئة ذاتها، ونسرق اموال اليتامى من ضحايا البعث، ليصبحوا الان ضحايا اعداء البعث في الوقت ذاته.
اننا امام ارث اخطاء تركه البعث، وارث اخطاء صنعته الاحزاب الجديدة وعجز عن تحسين حياتنا، وعجز عن حمايتنا من الاحتراب الاهلي، كما فشل في بناء ثقة مع المجتمع الدولي تساهم في حماية مستقبل اولادنا. وقد حان الوقت لان نشعر بشيء من الخجل، بعد شوط الخطايا والدم الطويل، وان نكاشف شعبنا بواقعية ونحن نصوغ محاولات الصلح التي تهدف لحقن الدماء، وان لا نستحي في الحديث عن تصحيح الاجتثاث، بما تتطلبه الحكمة، وان نجتث "البعث" المتغلغل في اخطائنا جميعا، وان لا نتردد في قول الحقيقة: ان احزاب العراق الجديد فشلت في اجتثاث اخطاء البعث، بل قامت بتكرارها وخيانة الضحايا وتعميق ازمتهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram