أعلى برج في العالم حتى الآن موجود في دبي يحمل اسم هذه الإمارة صانعة الدهشة أو أسم الشيخ خليفة رئيس دولة الإمارات.. دبي والإمارات تباهيان وتفخران ببرجهما الفريد من نوعه.. نحن أيضا لدينا برج ينافس برج دبي في علوه، لكنه ليس مدعاةً للتباهي والفخر.
برجنا مؤلف من عجائب وغرائب لا عدّ لها ولا حصر، لو كدّسناها فوق بعضها البعض لارتفعت بما يزيد عن برج دبي في علّوه. من عجائبنا وغرائبنا هذه ان حكومتنا المشكّلة من الكتل البرلمانية، كلّاً بحسب المساحة التي تحتلها تحت قبة مجلس النواب، ما أن تجيز في يوم مشروع قانون وتدفع به الى المجلس أو الى مجلس شورى الدولة حتى نسمع في اليوم التالي تصريحات من نواب ومسؤولين في بعض هذه الكتل تندّد بالقانون المقترح وتحذّر من عواقبه "الوخيمة" وتحرّض عليه وتهدّد بالعمل ضده.. كيف إذاً مرّر وزراء هذه الكتل في اجتماعهم الأسبوعي مشروع القانون ؟!
في الأيام الماضية وافقت الحكومة على مشروعي قانون الحرس الوطني وقانون المساءلة والعدالة الجديد ورفعتهما إلى مجلس شورى الدولة أو مجلس النواب كما أُعلن عبر وسائل الإعلام، لتنطلق في الحال حملة كلامية ضدهما... قد يكون القانونان المقترحان سيئين الى أبعد الحدود ويستحقان أن يقف الجميع ضدهما، ولكن نعود الى السؤال أعلاه: كيف وافق مجلس الوزراء عليهما؟.. من المفترض ان أغلبية الوزراء (أي أغلبية الكتل البرلمانية) قد صوتت لصالحهما، لكننا نجد الآن ان كتلاً كبيرة في البرلمان تعارضان مشروعي القانونين.
السرّ في هذا الأمر العجيب الغريب يكمن في أن هناك عيباً كبيراً في عملية تشريع القوانين لدينا، هو نفسه العيب الذي ابتليت به من قبل عملية صياغة الدستور.. قوانيننا يقترحها ويصوغها ويجيزها السياسيون داخل مجلس الوزراء ومجلس النواب. الهيئة الوحيدة التي تُعرض عليها القوانين المقترحة، غير الحكومة والبرلمان، هو مجلس شورى الدولة، والعملية التي يقوم بها هذا المجلس شكلية شبه ميكانيكية لجهة تضبيط الصياغة في الغالب، ولهذا تمرّ من تحت أيدي خبراء مجلس الشورى قوانين كثيراً ما تتعارض موادها في ما بينها وتتناقض مع مبادئ الدستور وأحكامه.
في الغالب لا تُطرح مشاريع القوانين للنقاش العام لكي يساهم الاختصاصيون والخبراء وأصحاب المصلحة في تشريع القوانين.. لم يحصل أن نشرت الحكومة أو البرلمان مشاريع القوانين عبر وسائل الإعلام، ومرات قليلة تلك التي بادر فيها البرلمان الى تنظيم جلسات استماع بشأن مشاريع القوانين المقدّمة اليه، والحال ان هناك حاجة حقيقية لطرح مشاريع القوانين على الرأي العام قبل فترة مناسبة.
السياسيون عادة يفكرون بعقلية سياسية، ويضعون مصالحهم الشخصية والحزبية نصب أعينهم وليس مصالح الشعب، ومن هنا تثور الخلافات والمناكفات التي تؤول الى مساومات وتوافقات سياسية في ما بينهم على حساب المصلحة العامة ..أغلبهم لا يفقه في القانون أو الاقتصاد أو الاجتماع ولا حتى في السياسة، ومعظم أعضاء حكومتنا وبرلماننا هم كذلك.
قيل : رحم الله امرأً عرف قدر نفسه .. ليت أعضاء حكومتنا وبرلماننا قد عرفوا قدر أنفسهم ليستعينوا بالعقول والكفاءات والخبرات التي يزخر بها العراق ويمكنها أن تقترح وتصوغ القوانين والحلول لمشاكلنا العويصة التي لو كدسناها هي الاخرى فوق بعضها البعض لكان لدينا برج أعلى من برج دبي أو خليفة.
ان شجرة الحياة خضراء يا هؤلاء!
أعلى من برج دبي
[post-views]
نشر في: 11 فبراير, 2015: 06:27 ص