حين دعاني برنامج (نجوم على قماشة الرسم) في القناة الثانية من التلفزيون الهولندي لم أكن أتوقع بأني سألتقي بنجمي المفضل مارك ماري ، الممثل الموهوب وصاحب عروض الممثل الواحد على المسرح . هكذا شاركت في البرنامج بصحبة رسامتين هولنديتين من مدينة لاهاي حيث رسمنا سوية ثلاثة بورتريهات لهذا الفنان على مدى اسبوعين وهو وقت تصوير البرامج . أسعدتني كثيراً هذه الصحبة ونحن نتنقل من مدينة الى أخرى لنكمل الأعمال .
وبرنامج نجوم على قماشة الرسم معروف في هولندا وله شعبية بالنسبة للناس العاديين وكذلك وسط المثقفين . وفيه يختارون ثلاثة رسامين ويوفرون لهم كل متطلبات الرسم التي يحتاجونها ويدخلون عليهم في الوقت المخصص للبدء في رسم أحد الشخصيات الشهيرة في هولندا بشكل مفاجئ ليبقى النجم المختار معهم يوماً كاملاً معهم ويشرعوا برسم بورتريتاً له ، كل بطريقته وتقنياته وأسلوبه ، شرط أن لا يطَّلع هذا الموديل على اللوحات المرسومة إلا في نهاية البرنامج ، أي بعد أسبوعين من البدء بالرسم ، في حين تستغل مقدمة البرنامج هنيكا خروتمان هذا الوقت لتتنقل بين الرسامين الذين تسألهم عن رأيهم بالموديل وكيف يرونه ومشاعرهم أثناء عملية الرسم وبين الموديل الذي يحدثها عن حياته وتفاصيلها وما مرّ به من أحداث . بدأنا بتصوير البرنامج في صالة مسرح مدينة تلبرخ جنوب هولندا وبعد يوم كامل من الرسم وتأمل الموديل والتركيز على اللوحات واختيار الزاوية المناسبة للرسم وبعض المواقف الطريفة التي صاحبت ذلك ، عدنا الى مشاغلنا مع اللوحات غير المكتملة ، وقد جاء فريق العمل بعد أسبوعين وزار مراسمنا واحداً بعد الآخر وصور الأعمال التي قاربت على الانتهاء وقد تحدث كل رسام حول تقنياته والطريقة التي يرى من خلالها الموديل ، وهكذا حتى جاء الموعد الأخير لتصوير البرنامج في أهم متحف هولندي وهو رايكس ميوزيام حيث عرضت اللوحات الثلاث في قاعة خاصة وأغلقت الأبواب على الموديل وحيداً " مع مصور البرنامج طبعاً " وهو يتأمل اللوحات من كل جانب ، بعدها اختار في نهاية البرنامج البورتريت الذي يناسب مزاجه وذوقه ويراه معبراً عن شخصيته واحتفظ به ، وقد تم بيع اللوحتين المتبقيتين من خلال مزاد فني خاص بالبرنامج وذهب ثمنهما الى الأعمال الخيرية ، وهكذا احتفل الجميع في نهاية هذا البرنامج الجميل والمشوق ، ليعود بعدها كل واحد الى مشغله من جديد ، يتابع نشاطه وينتظر وقت العرض التلفزيوني الذي ينتظره أغلب رسامي هولندا .
كم تمنيت أن يشتري تلفزيون العراق حقوق عرض مثل هذا البرنامج أو يعد برنامجاً قريباً منه ولا يكتفي بشراء برنامج ذا فويس الغنائي الهولندي ، وخاصة أن العراق فيه عدد لا يحصى من الرسامين وكذلك هناك ساعات مهدورة في التلفزيون لا يتابعها أحد ، ثم أن الناس قد ملّت من البرامج المكررة التي ليس لها داع . التلفزيون هو أداة للترفيه ونشر الثقافة والوعي والذوق الآن ، والوصول الى برامج جميلة ومتفردة ليس بالأمر الصعب أو المستحيل . فما فائدة عشرات القنوات التلفزيونية اذا لم توفر للمشاهد متعة حقيقية مع برامج لها خصوصيتها وتأثيرها الجمالي أيضاً ؟
سأبقى أنتظر ومثلي الكثيرون أن يعرض برنامج مثل هذا عندنا ليتابع الناس على مدى ساعة كاملة كيف يبدأ الرسام برسم اللوحة والمراحل التي تتبع ذلك الى أن يضع توقيعه على قماشته وتصبح جاهزة للعرض . أنا متأكد أن هذا النوع من البرامج وخلال فترة قصيرة سينمّي ذائقة الناس ويطور ثقافتهم البصرية بشكل واضح وكبير.
نجوم على قماشة الرسم
[post-views]
نشر في: 13 فبراير, 2015: 02:21 ص
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...