أوقفت عاملة التنظيف مدير دائرتها لتسأله عن سبب قطع خمسة وعشرين الفا من راتبها الذي يبلغ مئة وخمسين ألفا ولا يكفيها لسد إيجار منزلها ومتطلبات معيشتها لولا مساعدات الموظفين لها وبيعها بعض الحلوى وقناني ماء الشرب عليهم... حيره السؤال ولم يعرف الجواب المناسب خاصة مع تحلق الموظفين حوله وانتظار ما سيجود به لسانه لإقناع المرأة الفقيرة والساذجة؟.. قال لها ببساطة: "انه التقشف".. فارتسمت على ملامحها اسئلة جديدة منها: "ماهو التقشف؟، "ما علاقتي به؟"فضلا عن اسئلة اخرى تعجز عن التعبير عنها او فهمها...
اراد ان يقول لها ان التقشف هو وصفة طبية توصف للدول التي تفقد السيطرة على التوازن بين الإنفاق العام للدولة وبين ايراداتها المالية ما يدفعها الى إتباع وسيلة شد الأحزمة على البطون لتتجنب المزيد من الضغط المادي أو الاقتراض....لكنه لن يتورط بجواب كهذا فلن تفهم منه حرفا واحدا..في النهاية قال لها:" لازم نضحي حتى يعيش البلد "...وغادرها مسرعا ليتجنب المزيد من الاسئلة ولأنه لم يقتنع أصلا بإجابته فلماذا على الفقراء ان يضحّوا اولا ليعيش البلد.أليس الأحرى بالمسؤولين من ذوي الجيوب المنتفخة واصحاب رؤوس الأموال المستحصلة في الأصل من أموال البلد السائبة ان يبدأوا بعملية التقشف ليفهم الفقير بعدهم لماذا عليه ان يضحي بجزء من راتبه او براتبه كله كما حدث مع العاملين في وزارة الصناعة وموظفي البتروكيمياويات وعدد كبير من موظفي العقود وغيرهم كثير فقد نسف التقشف اماكن كثيرة كانت سببا في إعالة اسر اعداد من الموظفين كما حدث مع بعض القنوات والمطبوعات الإعلامية التي شملها التقشف حتى في الزيت المخصص لمولداتها الكهربائية بينما مازال المسؤولون يتمتعون بالسكن في قصور خاصة او ضمن المنطقة الخضراء المحصنة وتنعم أسرهم بالعيش في الخارج وترافق المسؤولين جيوش من الحمايات تتلقى رواتبا مازال بعضها مستمرا حتى بعد مغادرة المسؤول لمنصبه ومقره في العراق.!
هل سيقول للمرأة المسكينة اننا بلد نعشق مضاعفة المناصب لإرضاء جميع الاطراف فقد تضاعف عدد نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء عن الدول الاخرى لإرضاء المكونات المختلفة وتضاعف عدد الوزارات بحقائب وبلا حقائب لإتمام شروط المحاصصة وصار يمكن ابتداع مفوضيات وديوانين للوقف السني والشيعي ومشاريع مفتعلة تتضمن انفاقا كبيرا وايفادات لا حاجة لها كما علينا ان نشد الاحزمة ليكمل بعض المسؤولين تأثيث قصورهم ومكاتبهم ويحتفظ رئيس الوزراء السابق بجيوش حماياته ويتواصل تبذير المال الحكومي السائب لإنشاء مشاريع وهمية ودفع رواتب (فضائية) وشراء عقارات داخل وخارج البلد..سيكتفي اذن بتركها حائرة امام جوابه فبماذا تضحي ايضا بعد إعاقة زوجها بانفجار وخروجها الى العمل ومغادرة اولادها لمدارسهم..وهل استحقت تعويضا مناسبا عن تضحياتها السابقة لتقدم تضحيات اخرى...أما مدير الدائرة الذي غادرها مسرعا وكأن اسئلتها الساذجة سياطا تلهب جسده فقد بات سؤال واحد يتردد في داخله ويخنقه: " لماذا على الفقراء فقط ان يضحوا ليعيش البلد؟"
تقشّف.الفقراء
[post-views]
نشر في: 13 فبراير, 2015: 05:07 ص