TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أهل التسامح وأهل كواتم الصوت

أهل التسامح وأهل كواتم الصوت

نشر في: 14 فبراير, 2015: 05:45 ص

أحاول دائماً أن أتذكر، وأنا أقرأ وأُشاهد أخبار هذا الوطن، تجارب الشعوب التي عانت الظلم والاضطهاد. في كل مرة أقرأ سيرة جديدة عن مانديلا، أجدني أشغل نفسي بالبحث عن اسم الرجل الذي قرر أن يودعه عتمة السجن، فلا أجده، فقط ظلّ وحده الحاضر الوحيد، سجيناً وحراً، يملأ المدن الكبرى بسلوكه العفوي، يصرّ على أن يعلّم أبناء وطنه في لحظة حرجة: أن "الوطن لن يبقى قائما، إذا سقطنا في بئر الكراهية والثأر".
لا أدري ما سرّ المصادفة بين استرجاع مانديلا، ومتابعة أخبار مقتل عدد من المواطنين ذنبهم الوحيد أنهم تجاوزوا خطوط الطول والعرض الطائفية وتجوّلوا ليلاً في منطقة قناة الجيش، أسترجع غاندي و مانديلا ولي كوان ولولا دي سيلفا.. وأنظر في المقابل إلى وجوه عشرات الرجال من الذين خذلوا العراق، ونهبوا ثرواته وشرّدوا أبناءه في طرقات الغربة، ونشروا ثقافة الطائفية والجهل وقطع الرؤوس وكواتم الصوت، الذين هزموا الظلم والتخلّف والاستبداد، لم يكونوا يرفعون أصابعهم في وجوه خصومهم، لم يشتموا أحداً ولم يسخّفوا معارضيهم،ولم يكونوا قادة معارك، بل رجال بناء ومصالحات، في دول التسامح استعاد الناس حرياتهم كأفراد وبشر، وخرجوا من الظلمة إلى الحياة.
عرف مانديلا مثل ديغول ألم الجرح الذي يحفره الظلم في النفوس، كانت لهذا السجين شجاعة أنديرا غاندي يوم رفضت طلب بعض أعضاء حكومتها بتغيير حرسها الشخصي المكوّن من الضباط السيخ،معتبرة أنه يجب أن لا يؤخذ الأبرياء بجريرة المذنبين، قائلة: "ودّعوا الأحقاد، فالحياة أقوى من الموت ".
قبل أيام كشفت الصحافة عن حدث مثير يتعلق بلحظة إطلاق سراح مانديلا ففي شباط عام 1990 أُفرج عن نلسون مانديلا بعد 27 عاماً قضاها في السجن، وفيما جموع ضخمة في انتظاره في كيب تاون، اختفى لساعات بشكل غامض.
وجاء في الوثائق التي نشرتها "مؤسسة مانديلا: " كان العالم في انتظاره ولم يكن لأحد أدنى فكرة عن مكان وجوده، وتبين فيما أن مانديلا، قد طلب من سائقه القيام بتغيير مساره، حيث عثر عليه في منزل أحد حرّاس السجن السابقين، كان مــانــديــلا قـــد نــزع حذاءه لمزيد من الراحة، يتمتع بشرب الشاي ويصغي الى مضيفه يحدثه عن ذكريات السجن "!
تأمّلوا الصورة جيداً، الرجل السجين والمعذّب، يجد أنّ المكان المناسب لراحته بيت أحد حرّاس سجنه، وتأمّلوا الصورة التي كانت عليها جنوب افريقيا انذاك: البيض خائفون، والسود ينتظرون إشارة الثأر، فيما الضحية وحده يجلس ليتسامر مع سجّانه! إنها واحدة من لحظات السموّ البشري التي لا يعرفها تجّار الأزمات ممن يتجاهلون أنّ بناء الدول لا يتم عبر الثأر، وإنما بالاستناد إلى العدالة.. فتجارب الشعوب تعلّمنا أن لا أعظم من رجال المصالحات في تاريخ البلدان.. أما الثأر فهو تجارة الفاشلين.
بالامس خرج الرئيس الاميركي ليتحدث عن مقتل 3 طلاب مسلمين في كارولاينا مختصرا الازمة بكلمات مؤثرة: " ليس هناك شخص في اميركا على الإطلاق، يجب استهدافه بسبب ما هو عليه، وكيف هو مظهره، أو كيف يؤدي عبادته،، نحن عائلة واحدة، وعندما يؤخذ واحد منا قبل أوانه، نتذكر كيف عاشوا حياتهم، وكلمات أحد الضحايا يجب أن تلهمنا طريقة عيش حياتنا."
كانت الناس تامل ان تكون مهمّة المسؤول تضمّيد جراح الوطن، فإذا به يعمّقها، وأن يوحّد العراقيين، فإذا به يفتتهم، لم يلمّ الشمل، وعزّز بممارساته وانحيازاته الحزبية الضيّقة، الانقسام والتشرذم، وفشل في الاحتفاظ بالشراكة الوطنية التي أصبحت أغنية مملّة يردّدها النواب من على شاشات الفضائيات فقط.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. الشمري فاروق

    صديقي العزيز ان اجمل مافي الوجود هو التسامح والاكثرجمالا هو المسامح... وقد قيل( ان المسامح كريم)...والكرم شجاعه...والشجاعة تجدها عند المسامحين والرجال الرجال... ان مانديلا... بموقفه هذا اثبت انه بحق رجل دوله وصاحب مشروع لتأسيس دوله والدلالة على ذل

  2. داخل السومري

    لا يجوز مقارنة الثرى اي سياسيوا الصدفة بالثريا اي مانديلا و غاندي وغيرهم من ابطال الانسانية المعذبة.نواجه كل يوم قسوة تفوق الخيال، ليس نحن صناع هذه القسوة ولاكنها الحياة.ليس هذا القول من عندي ولاكني قرأته.

  3. الشمري فاروق

    صديقي العزيز ان اجمل مافي الوجود هو التسامح والاكثرجمالا هو المسامح... وقد قيل( ان المسامح كريم)...والكرم شجاعه...والشجاعة تجدها عند المسامحين والرجال الرجال... ان مانديلا... بموقفه هذا اثبت انه بحق رجل دوله وصاحب مشروع لتأسيس دوله والدلالة على ذل

  4. داخل السومري

    لا يجوز مقارنة الثرى اي سياسيوا الصدفة بالثريا اي مانديلا و غاندي وغيرهم من ابطال الانسانية المعذبة.نواجه كل يوم قسوة تفوق الخيال، ليس نحن صناع هذه القسوة ولاكنها الحياة.ليس هذا القول من عندي ولاكني قرأته.

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram