اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > العلاقة بين المكان والشخصية في النص المسرحي

العلاقة بين المكان والشخصية في النص المسرحي

نشر في: 16 فبراير, 2015: 07:52 ص

نص "الحداد لا يليق بكاليجولا" نموذجاً
 
 المكان في النص المسرحي هو احد مكوناته  ومن أساسياته التي لا يقوم الا بوجودها  الى جانب عنصري الزمان والشخصيات والحبكة متصلة مع بعضها في سياق درامي فني وجمالي وفكري ودلالي لتكون بالتالي ال

نص "الحداد لا يليق بكاليجولا" نموذجاً

 

 المكان في النص المسرحي هو احد مكوناته  ومن أساسياته التي لا يقوم الا بوجودها  الى جانب عنصري الزمان والشخصيات والحبكة متصلة مع بعضها في سياق درامي فني وجمالي وفكري ودلالي لتكون بالتالي الشكل النهائي للعمل الأدبي المسرحي .ويختلف المكان في النص المسرحي عنه في العرض في ان بعض مفردات المكان في العرض تكون حاضرة بشكل او بآخر في سينوغرافيا العرض و حسب الرؤية الاخراجية ومنهج المخرج الإخراجي رمزيا او تعبيريا  او غيره مما يتيح للمتلقي فرصه بناء المعاني وحل الشفيرات التي يبثها العرض ..اما في النص فأنها اعقد بكثير، اذ ان كل عملية البناء التصوري والتخيلي للمكان /الفضاء المكاني سوف تقع على عاتق المتلقي من خلال بضع إشارات يجود بها المؤلف ليرسم خارطة الفضاء المكاني الذي سوف تلتقي به الشخصيات وهنا لا تكون للمكان الا وظيفته الانشائية كما يعبر هنري ميتران.

اما العلاقة بين المكان وباقي عناصر النص سوف يكملها المتلقي/ القارئ .وهو هنا القارئ الناقد الذي يتمكن من ربط دلالات النص وكشف الجسور والعلاقات فيما بينها وخاصة نلك العلاقة التفاعلية فيما يتعلق ما بين المكان والشخصية الرئيسية ، وهو ما سنتناوله في دراستنا .
وعلى هذا فالمكان في مسرحية الحداد لا يليق بكاليكولا للمخرج والكاتب المسرحي الراحل كريم جثير يفتح قنوات وعلاقات ووشائج قويه مع الشخصيات ،وخاصة الشخصية الرئيسية كاليجولا.فالمكان هنا ليس مجرد فضاء يسمح للشخصيات ان تؤدي دورها الدلالي والجمالي بمعزل عن تأثيراته ،بل هو مساهم بتحولات الشخصية وبالتالي فهو مؤثر فعال في الأحداث ،حيث ان كل انتقال للشخصية في المكان هو انتقال وتحول في الشخصية، ،والذي يؤدي بالضرورة الى تغيير في مجرى الأحداث والنهايات الدرامية التي تحمل خطاب النص ومغزاه. بل يكاد المكان ان يكون شبيهاً للشخصية فهو حينا يتمثل ذاتها السلطوية وحينا يتمثل أعمق مكنوناتها من خوف وضعف وحينا اخر يكون سببا في كشف زيف المحيط من حوله .
يكشف لنا المؤلف في أيام الحداد الأربع/التي تقابل الفصول / عن الفضاء المكاني الذي تدور فيه الأحداث من الخارج الى الداخل بدءا من القصر وقاعة العرش ومن الداخل الى الخارج حيث غرفة نوم كاليكولا و المخبأ الى المكان العام الخارجي في النهر والعودة للقصر وقاعة العرش أخيرا.وفي هذا التنقل كشفا للتحولات في الشخصية الرئيسة وكشفا لمكنوناتها وطبيعتها.
**الملازمة و التماهي
يتماهى المكان مع شخصية كاليجولا ويشابهها في الصفات بدأ من القصر وقاعة العرش ودلالاتها السلطوية و تأثيرات هذا الفضاء المؤثث بمفردات السلطة والقوة ،على الرغم من انه طمع بأكثر من السلطة الدنيوية فهو قد افترض موتا لنفسه وحدادا من اجل ان يعلو فوق حتى هذه السلطة . 
في قاعة القصر كل الجبروت والشعور بالعظمة وحب الذات وتقديسها وتأليهها ووحدانيتها ولا نقيض لها(لأنها اذا ما خرجت عن أحاديتها سيكون هناك النقيض وهذا ما لا يريده كاليكولا) ولا شبيه الا المكان الذي يدور فيه ويجد فيه ما يشبهه من رموز العظمة والقوة .ليمنحه القوة في نبذ كل المقدسات عدا وجوده وكينونته وذاته العظيمة. وما هذه العظمة الا شكل يضفيه عليه المكان وعلى ذاته المحبة له والمتمسكة به ،(ليخطر ببالك كل شيء،ان تفنى المملكة بأجمعها ،ان تتوقف الأرض عن دورانها ،ان تنطفئ الشمس وان يختل نظام الكون بأكمله . لكن إياك إياك ان على بالك ان يتزحزح كاليجولا عن مكانه ،فكاليجولا مركز الأشياء ، وعلى الاشياء ان تتحرك حوله) غير انه وعندما يستوي على العرش وينتشي بالشراب فتتراءى له صور وأجساد بشر ،هم ضحاياه، تتلوى من الألم وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة يدرك مدى التعاسة التي يعيشها.. (فما أتعس كاليجولا الذي لم يعد أمامه من شيء يقوده الى المتعة والدهشة سوى موته) وإقامة الحداد على نفسه ليعيد تنصيب نفسه من جديد كإله أوحد .والمقدس الأوحد،
المقدس الوحيد هو من يتربع على العرش ،وليس غير كاليجولا من يستحق هذا المجد والعظمة في قصره وعرشه.
وبانتقال كاليكولا الى فضاء مكاني اكثر حميمية وأكثر قربا للروح، غرفة نوم كاليجولا /سرير نومه/ فأنه يتحول الى الداخل من الشخصية ،انه ينقل لنا الطبيعة الداخلية والنفسية والعاطفية .بل يتداخل لتنكشف النوازع الخفية (فمنذ زمن طويل وكاليجولا لم ينم )وشعوره الخفي بالوحدة والملل . هنا يقارن نفسه مع الإله الذي لا يشعر بالملل كونه (يتسلى بجميع ممالك الكون) ذلك الملل الذي يجعله اقل مرتبة من الإله.
يتجسد هنا في هذا الداخل ،داخله الروحي / المكاني. وبدل ان يكون هذا المكان فضاء سعادة ومتعه ولذة في الاختلاء بالخليلة الا انه(يدفن رأسه في أحضانها يجهش بالبكاء فجأة).
ان غرفة نوم كاليجولا / السرير هي مسرح البوح كاشف فيها عن كل ما يخفيه عن الآخرين من ماضٍ مؤلم وسيء عاشه كاليجولا وخاصة تلك الذكريات عن زوجته (الخائنة) التي أورثته الأم شهريار وعدم ثقته بأية امرأة ثانية ،فسجنها مع كلبه إمعانا في اذلالها .غرفة نوم كاليجولا هي مكان اعتراف عن الضعف وان لم يكن أمام الملأ.
المشهد الوحيد خارج حدود القصر والمملكة/السلطة هو مشهد الزورق حيث كاليجولا متنكرا راكبا الزورق مع صاحب الزورق غير المنتمي لحاشية ولا تابع لأحد .هنا بعيدا عن أجواء التبعية والخضوع لأمر كاليجولا، تكشف طبيعة المكان عن خفايا القصر والخيانات والمؤامرات الحاصلة فيه وخاصة بما يتعلق بأمر رئيس_ة الشرطة وزيف أسطورة الإله كاليكولا.وبعيد عن الضفتين وحيث لا يخشى ان يسمع الكلام احد يكتشف انه هو الوحيد في هذه المملكة الذي صدق حكاية صعوده الى السماء .
في النهر وفي رحلته القصيرة واذ تحمله الأمواج بعيدا معها انكشفت كل الأصوات التي سخرت منه والتي كانت ضحية له .ثم ان إشارات المؤلف وتوصيفاته للحالة منحت المشهد بعدا دلاليا يربط كل من المكان والشخصية في صفة واحدة هي صفة الجريان نحو المجهول (تحمله أمواج النهر بعيدا معها).
في المخبأ/ عودة الى المكان الداخلي مع الخليلة والذي يبدأ بالضيق ليدفع بالشخصية نحو نهايتها ..انه يزداد امتلاءا بأصوات القتلى والأصوات المنادية برحيله التي ملئت أرجاء المكان /الروح وهو لا يملك عندها وقد كشف له النهر زيفه والمخبأ عن ضعفه فانه لا يملك الا ان ينصت لها و(يغادر المسرح).
وفي المشهد الأخير /يوم الحداد الأخير المكان /القصر، العرش ، خال من كاليجولا واذ يظهر انما نازلا من اعلى (يأخذ بالنزول ومن ثم يواصل خطواته باتجاه العرش ) كما في اول مرة في يوم ما قبل الحداد (يظهر كاليجولا في الطابق العلوي متأملا قاعة العرش ،فتنحني النساء له .كاليجولا يبدأ بالنزول ) وهو نزول للمكان مؤثرا ومتأثرا به .ولكن في مشهد يوم الحداد الاخير هو نزول الى مكان لم يعد له .بل حضر بطريقة يحاول فيها ان يثبت إلوهيته في المكان، لكن لم يعد يرى فيه القوة والسلطة والإلوهية سوى نفر قليل من حاشيته .وا ذ يصل العرش المرصع باللآلئ يستل سيفه ليقتل نفسه(فلا احد يستطيع قتل الإله كاليجولا سوى الإله كاليجولا نفسه) ويطعن تمثاله النصفي في موضع القلب،ذلك التمثال الذي استقر بمكانه طيلة السياق الدرامي ليخر أمامه ميتا .احساسا منه بفقدانه الارتباط بالمكان ،قاضيا على نفسه من خلال احدى مفردات المكان الثابتة ،المكان الذي أعلن ، في النهاية ،براءته من الشخصية وأوصلها الى حتفها ،اختار كاليجولا الوجود الآخر .اختار الموت قرب العرش.المكان الذي أراد ان يبقى صنوا له ومتماهيا مع صفاته .
وفي تتبعنا السابق لعلاقة الشخصية بالمكان نجد ان الأثر الذي أحدثه المكان بالشخصية .نوعان الاول تمثل في فعل التعري والكشف لذات الشخصية بما كان يربط بينهما من تشابه والثاني تعرية وكشف الماحول الذي يحيط بها كاسرا ذلك الرباط وتلك العلاقة المرضية في التمسك به.
من هنا تكمن تراجيديا العلاقة بين المكان والشخصية /الرئيسة في تعرية للنقائض بين امتلاك السلطة والقوة وبين الخواء الروحي والضعف الذي تعيشه شخصية كاليجولا .ومن هنا نكتشف الصفة التبادلية بين صفات المكان وصفات الشخصية والتي يكون المؤثر فيها وصاحب الامتياز هو المكان بكل مفرداته التي رسمها لنا المؤلف مثل العرش والسرير والقارب والتمثال النصفي لكاليجولا تلك المفردات التي هي جزء من فعل التأثير الذي مارسه المكان عليها .المكان هو المحرك لكل نوازع الشخصية الدفينة
بينما تمنح الشخصية احدى صفاتها التي لم يعد يشعر بها وهي الحياة ليأخذ البطولة من بطل السلطة /النص بينما سيسيرها نحو الجمود والتصلب في صورة التمثال النصفي ،فكاليجولا يشهر سيفه على نفسه ليطعن التمثال النصفي /ليظهر لنا مدى التحجر والجمود الذي وصلت اليه روحه، والذي أراده صفة للالتصاق بالمكان السلطوي كنوع من الثبات فيه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram