هل نحن على أعتاب عهد سياسي جديد؟ .. السؤال له ما يبرره، والجواب لا يمكن أن يكون باتاً وقاطعاً حتى لو توفر لنا أكثر من دليل على اننا نرتقي الى عهد كهذا. مقدار الشك لدينا هائل. هو بمقدار ما لدينا ما في تاريخنا من تجارب ووقائع مترعة بالسوء والفشل وخيبة الأمل وتبدد الحلم .
رجال الأمن يعتدون على الصحافة والعاملين فيها.. هذه ممارسة روتينية، وفي الغالب مقصودة، منذ العهد العثماني ثم الملكي والجمهوري الأول، لكنها، والحق يقال، لم تبلغ المبلغ الذي وصلت إليه في عهد البعث أو العهد الحالي. في العهود الثلاثة الأولى كان الصحفي يؤخذ الى المحكمة ثم السجن أو تُغلق صحيفته بقرار إداري أو قضائي، وفي عهد البعث كان الصحفي يؤخذ إلى أقبية التعذيب وغرف الإعدام من دون كبير ضجة.. أما في العهد الحالي فقد اتخذت الاعتداءات على الصحفيين ومؤسساتهم طابعاً سافراً، وهي تجري جهاراً نهاراً بقسوة مبالغ فيها وبصلف مفرط، وبخاصة في عهد الحكومة الثانية لنوري المالكي (السابقة).
الآن يحدث شيء جديد لا سابقة له في ما يبدو .. رئيس الحكومة ورئيس البرلمان يستنكران أحدث اعتداء على صحفيين.. هذا شيء جيد لكن التطور المثير ان وزارة الداخلية بالذات يصدر عنها بيان يندد بالممارسات العدوانية لرجال الأمن حيال الصحفيين، ويتعهد بالمحاسبة والعقاب. وسط الخراب السياسي والاجتماعي والاقتصادي والقِيَمي العام الشامل، لموقف الداخلية الجديد أهمية بالغة للغاية .. إنه حقاً يعزّز الأمل المتلاشي تقريباً بإمكانية أن يكون لدينا نظام سياسي من مرتكزاته حفظ كرامة ليس الصحفي وحده وإنما المواطن أياً كانت مهنته وموقعه الاجتماعي.
بيان الداخلية يقول ان حادثة الاعتداء على الصحفيين الأربعاء الماضي "جاءت لتعكس مزاجاً منفلتاً يتصرف خارج الضوابط القانونية والأخلاقية ويسيء إلى صورة الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تنتظر دعم الشعب ومساندته في مواجهة تحديات الإرهاب، لاسيما دعم وسائل الإعلام والإعلاميين الذين هم صوت الشعب والذراع الذي ينقل تضحيات الأجهزة الأمنية"، متعهداً بأن الوزارة "ستعمل بحزم على تطبيق الضوابط الإدارية والقانونية والأخلاقية" في حق المعتدين.
هذه لهجة جديدة، ففي السابق كانت الداخلية تنصر عناصرها وسائر العناصر الأمنية ظالمين أو مظلومين، وهم في العادة ظالمون ومتجاوزون على القوانين النافذة ومبادئ الدستور وأحكامه، وواثقون من أنهم في منأى من أي حساب وعقاب.
اجتماع رئيس الحكومة ورئيس البرلمان ووزير الداخلية على كلمة تنديد بالاعتداء الغاشم على عدد من الإعلاميين عند مدخل مؤسسة تابعة لمستشارية الأمن الوطني داخل المنطقة الخضراء، كان سيكون أمراً معتاداً وممارسة منتظمة لو كنا نتّبع النظام الديمقراطي فعلاً لا قولاً، لكن في ضوء ما يجري اليوم من ممارسات وسياسات ومواقف حكومية وبرلمانية نرى ان طريقنا الى الديمقراطية يمتد لمسافة سنين ضوئية، ولهذا نتشبث بقشة النجاة ونتمسك بشعاع الأمل إذ نقرأ بياناً كالذي صدر عن الداخلية أخيراً، فقد أوصدت كل أبواب الرجاء أمامنا وبدا كما لو ان العيش في الجحيم هو قدر العراقيين منذ الأزل وإلى الأبد.
معنى بيان الداخلية، وقبله موقف رئيس البرلمان ورئيس الحكومة، اننا لن نتهاون بعد الآن مع أي تجاوز على كرامة وحقوق الصحفيين وسائر الناس.
معنى بيان الداخلية
[post-views]
نشر في: 20 فبراير, 2015: 05:11 ص