TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رسائل أهل البصرة للرئيس معصوم

رسائل أهل البصرة للرئيس معصوم

نشر في: 24 فبراير, 2015: 05:37 ص

لا نعلم ما إذا تمكنت إدارة بلدية البصرة من كتم الروائح الكريهة، المنبعثة من نهر العشار، ومنع دخولها غرف ومكاتب الحكومة المحلية أم لا، أثناء زيارة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم للبصرة أمس الأول، ولا نظن أن النظارات السوداء حجبت رؤية ماء نهر العشار الاسود المخضر، والذي يطل على المباني الحكومية كلها، ولن يكون بمقدور سائقي دراجات المرور النارية اخذ موكبه بصحبة المحافظ ورئيس المجلس الى شوارع أفضل من الشوارع التي تؤدي بالضرورة الى مبنى المحافظة، ولا أحد من البصريين يعتقد بأن الرئيس الذي يزور البصرة للمرة الأولى والتي غادرها منذ أكثر من ربع قرن سيجدها على حالها (الجميل) ذاك، أو يحاول احد ما إقناعه بأن الارهاب كان السبب في وصول المدينة الى حالها البائس هذا.
في قاعة المجلس التي عقد رئيس الجمهورية مؤتمره فيها، مع عدد كبير من اعضاء الحكومة، تحدث الرجل عن حبه للمدينة واهلها، وذهب بذكرياته إلى الأيام الجميلة التي كان فيها أستاذاً بجامعتها، حين كانت في قرية التنومة، حيث كرر بأن البصرة مدينة عزيزة على الجميع. ووعد بانه سيحمل المطالب، التي تفضل بها المحافظ ورئيس المجلس والاعضاء الى بغداد، وسيعمل جاهدا على تحقيق "ولو الجزء اليسير منها".
لم يبخل أعضاء حكومة البصرة بمطالبة الرئيس في تحقيق قضايا مهمة من شأنها تحسين اوضاع البصرة العامة، فكانت مطالب مثل التوسعة في الصلاحيات وانعاش الاقتصاد والاستثمار وتحسين الوضع الأمني وبناء ميناء الفاو فضلا عن مطالب أخر مثل إقرار قانون 21 المعدل، والخاص بالمحافظات غير المنتظمة بإقليم وانصاف ذوي الشهداء بتنفيذ احكام الإعدام الصادرة بحق المدانين في قضايا الإرهاب. لكن لسان حال وضمير الرئيس وأبناء البصرة أيضاً يقول بان غالبية القضايا التي أردتم تنفيذها بتدخل الرئيس، كان تنفيذها بمتناول أديكم، قبل اكثر من عشر سنوات، لكنكم فرطتم بها، بجهلكم في إدارة السلطات والممارسات الخاطئة لإدارة شؤون المدينة.
ولنبدأ من نهر العشار الذي أصبح مبكى المحافظين، فقد وقف على جسوره العديدة وبكى شاكيا امره، كلُّ من جلس على الكرسي الأول في المدينة، وظل ينحب متأسفا مرة، ويسخر (مقتدرا) اخرى، من عدم قيام من سبقه على إصلاحه، وإيقاف تدفق مياه المجاري ورمي النفايات والإطارات القديمة فيه. ولا يجد مهندسو حكومة المدينة وعباقرتها الحرج في البحث عن الحلول التي تتلخص بتأسيس شبكة مجاري عملاقة داخل مركز المدينة يمنعون بها شبكة الصرف الصحي من تدفق مياهها القذرة اليه. ترى ما الحائل دون دخول إحدى الشركات العالمية المتخصصة في بناء شبكات المجاري وتخليص المدينة التي لم تُخدم بـ 20% من المجاري، بحسب احصائية رسمية، من كان العقبة الكأداء في تعطيل مشروع بسيط كهذا، ولماذا لم تتمكن مديرية العقود في الحكومة من استمالة إحدى الشركات العالمية لمشروع ينقذ المدينة من التلوث والتسبب بجعلها واحدة من أقذر مدن الجنوب وأكثرها أمراضا، ذلك لأن النهر ينصّفها نصفين، ويجري طوليا إلى أبعد نقطة في مركزها. أيعقل ان الحكومة الفدرالية كانت سببا في تعطيل المشروع، ام انكم وبسوء تدبيركم، وفساد شركاتكم كنتم وراء ذلك؟
وتقولون بأهمية دخول المستثمرين، والعمل على تشجيع الشركات العالمية على العمل في مشاريع البصرة، في وقت عجزت فيه سلطاتكم الأمنية عن حماية العاملين في الشركات هذه، من تجاوزات أبناء العشائر والمليشيات، ولم تتمكنوا من إقناع الشركات بفتح مكاتبها داخل المدينة، إنما ظلوا محاصرين في صحارى الرميلة والبرجسية ومجنون، هكذا مثل قوم مجذوبين، يخشون الاختلاط بأبناء المجتمع، الذي يسدون له خدمة مدنية اقتصادية. وحين يبحث المواطن البصري عن الموتورين، المتشددين من الذين يعبثون بأمن المدينة يجد انهم من المنتمين لأحزابكم، المنتسبين لعشائركم، أنتم قبل غيركم. وحين يبحث اكثر يجد ان مصالح شخصية، تتأتى من رشى وإتاوات تمنع دخول الشركات والمستثمرين.
ولا يمكننا نحن البصريين تبرير عدم قيامكم بمعالجة قضية البيئة المتردية، التي باتت تفتك بأرواح أبنائنا، والتي تتحمل الحكومة الفدرالية الجزء الاقبح فيها، من خلال العقود الجائرة لجولات التراخيص النفطية، والتي اجهزت تماما حياة الانسان ومستقبل الزراعة في أكثر من 75% من مساحة البصرة. إلا أننا نتحدث عن عشرات الحلول الممكنة والتي من شانها معالجة ذلك، لكن شيئا لم يحدث، وذهبت سدى المليارات التي خصصتها الحكومة الفدرالية للمدينة، تحولت الى مشاريع وهمية، وإلى ارصدة خرافية تم التامين عليها في مصارف عالمية، ولو ان هيئة النزاهة بحثت عميقا في جيوب البعض، أو الجيوب التي في جيوب الزوجات والأبناء والأشقاء لعرفت أين ذهبت المليارات تلك. إذ من غير المعقول أن تكون البصرة استثناء من القاعدة الكبيرة، التي تقول بان الفساد المالي والسرقات وراء ما يعاني منها الشعب العراقي منذ اكثر من عقد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram