الزمان: الساعة السادسة و45 دقيقة من مساء السبت 28 شباط (فبراير) 2015.
المكان: ساحة التحرير التي هي قلب العاصمة بغداد.
المشهد: ما كنا نرى له مثيلاً إلا في أفلام المغامرات وعصابات المدن.
كانت السيارة التي تقلني قادمةً من شارع السعدون قد أصبحت وسط الساحة مع نحو عشر سيارات أخرى متقدمة علينا أو متأخرة عنّا أو موازية لنا... لحظة بلوغنا تلك النقطة في قلب الساحة، بدت حركة السير عادية وهادئة، فنظام الإشارة الضوئية كان فعالاً، ومعه كان يقف شرطي مرور على حافة الساحة.
فجأة ضجّ المكان بضوضاء (هورنات) لسيارات نازلة من جسر الجمهورية.. كان عددها خمس سيارات أو ستة من نوع واحد ولون واحد (تويوتا لاند كروزر بيضاء اللون) .. من اثنتين منهما أخرج أفراد شبان، بملابس عسكرية، رؤوسهم وأيديهم وضاعفوا من الضوضاء بزعيقهم طالبين من السيارات أن تفسح في الطريق لهم .. لم يكن في وسع أي سيارة أن تلبّي طلبهم، بكل بساطة لأنه كان أمام كل سيارة سيارة والى جانب كل سيارة سيارة وخلف كل سيارة سيارة.. حتى لو أراد سائقو السيارات لحظتها أن يصدموا السيارات المتقدمة أو المحاذية ما كان في إمكانهم شقّ طريق كافية للموكب.. الإمكانية الوحيدة كانت الطيران في الهواء! لكن المشكلة ان السيارة الطائرة لم تزل في طور التجريب في البلدان المتقدمة صانعة السيارات، وربما سنحتاج الى 10 – 15 سنة بعد دخولها قيد العمل هناك لكي تطير في فضاء مدننا.
حقيقةً انتابني شعور بالخوف من وقوع حادث تصادم مروع في ساحة التحرير، فسيارات الموكب بركابها المزعّقين استطاعت بطريقة عجيبة غريبة المرور بين السيارات ومواصلة انطلاقها باتجاه ساحة الطيران.
معلوماتي العسكرية صفر، فظننت للوهلة الأولى ان الموكب يعود لقائد عسكري أو مسؤول كبير في الدولة، لكنّ السائق نبّهني الى "إنهم ميليشيات".. كيف عرفتَ هذا؟ سألته، فأجاب بان السيارتين اللتين تقدمتا الموكب كانتا من دون أرقام والبقية بأرقام مدنية، وركابها الزعّاقون بملابس لا تعود لا للجيش ولا للشرطة.
لم تكن أرقام سيارات الموكب ولباس العناصر الزعّاقة الدليل الوحيد لسائق سيارتي على "إنهم ميليشيات"، فقد أردف بالقول:" هذه ليست تصرفات الجيش أو الشرطة".
الميليشيات محظورة بموجب الدستور، لكنها قائمة وحقيقة واقعة في حياتنا منذ ما قبل كتابة الدستور والاستفتاء عليه حتى اليوم بعد مرور نحو عشر سنوات على كتابة الدستور والاستفتاء عليه.. مفردة الميليشيات ليست بغيضة في حد ذاتها.. معناها الجماعات المسلحة غير النظامية، تمييزاً لها عن قوات الجيش والشرطة النظامية، والكثير من حركات التحرر الوطني بدأت ميليشيات أو كانت لها ميليشيات. وبينما كان لمعظم الميليشيات دور أساسي في التحرر أو تحقيق التغيير الإيجابي في بلدانها، كما حصل في أوروبا ابان الحرب العالمية الثانية وفي قارتي أفريقيا وأميركا اللاتينية وبعض دول شرق آسيا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فان ميليشيات أخرى تصرّفت على نحو مغاير وارتكبت مذابح في بلدانها.. التصرفات هي البغيضة إذاً وليس الاسم.
لماذا يتعيّن التصرف على نحو بغيض في شوارع مدننا المهددة بخطر داعش؟
لماذا يحدث هذا ؟
[post-views]
نشر في: 1 مارس, 2015: 05:40 ص