الكتابة عن الحرب مليئة بالمحاذير العاطفية والسياسية. ماذا يمكن ان يقول مثلي لشباب يتعرضون للموت وهم يندفعون لتخليصنا من داعش؟ نعم، ليس من السهل ان تتوجه بالكلام الى الشباب المتحمسين، المعرضين للقتل، لان قضيتهم بالغة التعقيد، ولن اسمح لنفسي بالقاء الموعظة على احدهم وهو يرفع راية بلون اصفر عليها "شعار شيعي"، على اطراف تكريت، وهو اذ يهديني نصرا، فانه يساهم بتعقيد المشهد برايته هذه. ولربما فقد هذا الشاب حياته برصاصة داعشية الان، بينما اكتب في منزلي الآمن وبشيء من الترف، لكنني اسمح لنفسي بمساءلة القادة المقررين، كي يبادلوني حيرتهم وتساؤلاتهم (هل لديهم حيرة مثلنا وتساؤلات؟) حول معنى المعركة في تكريت، ولا شك ان لديهم حيرة وتساؤلات بشأن النهاية الممكنة لسنوات طويلة من الموت، واتمنى انهم قرأوا جيدا منشور الوصايا المطول الذي كتبه المرجع الاعلى علي السيستاني، الذي لا اعلم لماذا لم يحظ باهتمام يناسبه.
ليست هذه حربنا الاولى كعراقيين، وليست هي عراكنا الطائفي الاول. ويتطلب احلال السلام الذي هو غاية الحروب المتعقلة، ان نعترف لانفسنا بان الطابع المذهبي يصوغ معنى خطيرا لهذه الحرب. ولكي ننتصر فان امامنا ما هو اكبر من الطائفة وما هو اكبر من الموت الذي يمكن ان يداهم كلا منا في فراشه او خلال المعركة. والاكبر من الطائفة او الموت هو ادراك الطابع العالمي للصراع هذا والمعايير التي يتبناها العالم المتحضر وهو يراقبنا. فالفرق بين "شاب عراقي متحمس في صفوف داعش"، وشاب سني او شيعي يحارب داعش، هو دفاعنا نحن عن نظام سياسي شرعي، محمي بانتخابات ودستور وقانون، وبقدر ما كان الدستور والقانون والنظام حاضرا في جانبنا، فسنكون نحن معسكر الشرعية ضد معسكر الفوضى والعدم.
ليست هذه موعظة، بل مجرد تذكير بضرورات عقلنة الحرب بعد عقود من حروب منقوصة الشرعية انتهت بهزائم عميقة ونصر مخادع، وصرنا فيها مدانين وخاسرين.
ان العالم كله يحاول ان يدعمنا اليوم من سنجار الى البغدادي مرورا بتكريت، لاننا ندافع عن الشرعية السياسية. واذا فقدنا هذه الشرعية فسنخسر الفرق الكبير القائم بيننا وبين داعش. والتمسك بهذا الفرق ليس مسؤولية الشباب المتحمس، الغر الفتي الذي تنقصه خبرة قرون من الموت، بل مسؤولية القادة.
ونحن ايضا نتحدث عن قادة كثيرين، لاننا جيوش عديدة اليوم ولسنا جيشا واحدا، وهذا يعني مصالح ودوافع عديدة، بعضها متعقل والاخر مندفع مجنون.
ان قواعد الحرب مع داعش، وقواعد الصراعات السياسية في البرلمان او داخل مجلس الوزراء، هي رقعة شطرنج يراقبها العالم المتحضر. التزاماتنا على ارض المعركة، والتزاماتنا خلال التفاوض وصناعة التسويات، هي التي ستشجع العالم المتحضر على اصدار احكامه الكبيرة بدعمنا كطرف مسؤول، او التخلي عنا.
لقد ادان العالم كله، سياسات داعش ومنهجها. لكن العالم كله لايزال ينتظر ويراقب، الطرف الاخر المتنوع من العراقيين المعادين لداعش.. الى اي حد سيلتزم هذا الطرف بقواعد متحضرة للاشتباك، وكيف ستشتغل فرق الجيش والحشد والبيشمركة والعشائر، في تعاملها مع تعقيد ديموغرافي وقومي وطائفي في الحرب الدائرة ضمن اكثر من ٣٠ موقع عمليات كما يقول القادة العسكريون؟ يمكن ان تتحول تكريت الى رمز عظيم يوضح سيناريو الشهور المقبلة ومصير الموصل نفسها، كما انها يمكن ان تشهد اخطاءا تضر بالتزامنا الدولي وتعرقل تقدمنا وتهدي لداعش احلى ما تتمناه.
تكريت اذ يراقبها العالم كله
[post-views]
نشر في: 2 مارس, 2015: 06:30 ص
جميع التعليقات 4
د. شيرزاد
مقال جيد ونقاط مهمه . اريد ان أضيف ان هناك كارثه على الأبواب في العراق اذ يجب على الحكومة ان تسرع وبجديه الى امتصاص المجموعات المسلحه حالا في شكل فرق عسكريه او في اجهزه الأمن الاخرى وإلا فان سيناريوهات ليبيا على الأبواب وربما دخلتها. هذه مجموعات مسلحه وقس
محمد توفيق
إقتراح د. شيرزاد صحيح لأنه شخّص خطر اللبينة القادم للمناطق المنتزعة من داعش ، فعقلية ما ننطيها لم تذهب بذهاب المالكي بل هي موجودة عند أمراء الحرب وقادة المليشيات مثل هادي العامري وعصائب الحق الذين يعتبرون انفسهم المحررين لهذه المناطق بدلاً من الدولة ،
د. شيرزاد
مقال جيد ونقاط مهمه . اريد ان أضيف ان هناك كارثه على الأبواب في العراق اذ يجب على الحكومة ان تسرع وبجديه الى امتصاص المجموعات المسلحه حالا في شكل فرق عسكريه او في اجهزه الأمن الاخرى وإلا فان سيناريوهات ليبيا على الأبواب وربما دخلتها. هذه مجموعات مسلحه وقس
محمد توفيق
إقتراح د. شيرزاد صحيح لأنه شخّص خطر اللبينة القادم للمناطق المنتزعة من داعش ، فعقلية ما ننطيها لم تذهب بذهاب المالكي بل هي موجودة عند أمراء الحرب وقادة المليشيات مثل هادي العامري وعصائب الحق الذين يعتبرون انفسهم المحررين لهذه المناطق بدلاً من الدولة ،