TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > معرفتي بدولة فيكتوريا

معرفتي بدولة فيكتوريا

نشر في: 3 مارس, 2015: 03:58 ص

1-3

"ذات يوم قرأت كتاباً وتغيرت حياتي". من يتذكر تلك الجملة التي افتتح بها صاحب النوبل، التركي أورهان باموك، روايته "الحياة الجديدة"؟ لا أعتقد أن تلك الجملة البسيطة، لكن القاطعة، غريبة على أولئك الذين يبحثون في ثنايا كل كتاب جديد يقرأونه عن ضوء جديد، عن الملاك الذي يخرج من ثنايا سطور الكلمات التي يقرأونها هناك، الملاك الذي يتشكل خلال قراءتهم، ويطلب منهم النهوض في المكان الذي يجلسون عنده، والتحليق معه إلى أراض بعيدة. كم عدد الكتب التي قرأناها وغيرت الكثير من حياتنا؟ كتب كثيرة تلك هي التي نقرأها، تأتي وتذهب، لكن بعضها يظل ملتصقاً في ذاكرتنا، (إن شئنا أو أبينا)، وليس من النادر أن يحملنا تذكرها على العودة إليها من حين إلى آخر. أحد تلك الكتب الذي أجبرني بالعودة إليه، هو رواية "فيكتوريا"، لسامي ميخائيل. "قرأت رواية فيكتوريا وتغير الكثير من حياتي"، هل يمكنني أن أقول ذلك، وأنا أستعير جملة الصديق أورهان؟
"لم تتحرك قبل الآن بعيداً عن البيت، بدون صحبة رجل"، هو الآخر سامي ميخائيل، مثله مثل أي روائي كبير، يعرف كيف يفتتح روايته، يعرف كيف يأخذ القارئ معه مباشرة ليرحل معه من غير المهم الزمن الذي ستستغرقه الرحلة. أنا الآخر وقعت في غواية حبائله، منذ قراءتي الجملة الأولى تلك، عرفت أنني أمام كتاب سيجعلني أنسى كل ما يحيط بيّ، ولا أعود أتذكر سواه، أمام كتاب سيقلعني عن الكرسي الذي جلست عليه والطاولة التي أسندت ذراعي عليها، وأنني كلما واصلت قراءتي له، كلما شعرت أنني أطير معه، أطير، حيثما أراد سامي ميخائيل، كيف يمكنني مقاومة إغرائه في الرحيل مع فيكتوريا، إذا كانت حروف الكلمات التي اقرأها تطير أمام عينيّ مثل ذرات ضوئية، تتشكل على شكل ملاك يضعني على جناحيه، يُحلق بي بعيداً عن المدينة التي أقيم فيها، عن هامبورغ، ويقول انتظر قليلاً، وسترى بعينيك المكان الذي سنصل إليه، وعندما نصل، عندما يعود بي الى المدينة التي مرت على هروبي منها في حينه خمسة عشر عاماً، المدينة التي هرب منها سامي ميخائيل قبل خمسة وأربعين عاماً من كتابة فيكتوريا، عندما نصل إلى بغداد، أعرف أن عليّ أن أنسى كل ما عرفته عن المدينة قبل تلك اللحظة، وأنني إذا أردت معرفتها من جديد، عليّ ترك كل شيء الآن والذهاب مع فيكتوريا، التجول معها عبر أزقة بغداد وحاراتها، عبر البتاوين والباب الشرقي، عبر شارع الرشيد والحيدرخانة، عبر سوق الشورجة والأورزدي باك، عبر أحياء الفضل وأبو سيفين، حيثما أرادت فيكتوريا، وعلى المرء أن يثق بها وحسب، فهو سيشعر بالتأكيد، مثلما شعرت أنا، سيشعر بالأمان كأنه في حضن إبراهيم.
الصداقة هي أيضاً معرفة الذائقة الأدبية لصديق. اشكر الصديق فايت هاينشين، الذي عمل مديراً للتسويق في دار النشر الألمانية برلين فيرلاغ، التي أسسها مع زميل وصديق له آنذاك، الناشر آرنولف كونرادي بعد تركهما العمل في دار النشر المشهورة فيشير فيرلاغ في فرانكفورت، الدار الجديدة جذبت لها عددا لا بأس به من الكتّاب العالميين المعروفين، ذاعت شهرتها بسرعة بسبب الذائقة الأدبية العالية لفايت وزميله كونرادي. فايت وقبل صدور فيكتوريا على شكل كتاب(بغلاف سميك)، قال لي، أنه سيهدي لي كتاباً سأظل أتذكّره به طالما حييت، كان ذلك هو ديدنه معي، كلما اختار لي أحد الكتب الاسثتنائية، ولا أتذكر أنه أخطأ في ذلك معي طوال عمله هناك، كان يعرف ذائقتي الأدبية، وفيما يتعلق برواية "فيكتوريا"، كان اختياره مثل من يختار ستة أرقام في أوراق اليانصيب.
 يتبع

*القيت الكلمة في حفل تكريمي للكاتب سامي ميخائيل في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا بمناسبة صدور طبعة خاصة بالإنكليزية لروايته "فكتوريا"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناديل: يكتب كي لا يموت العالَم

 لطفية الدليمي في حياة كلّ كاتب صامت، لا يجيدُ أفانين الضجيج الصاخب، ثمّة تلك اللحظة المتفجّرة والمصطخبة بالأفكار التي يسعى لتدوينها. الكتابة مقاومة للعدم، وهي نوع من العصيان الهادئ على قسوة العالم، وعلى...
لطفية الدليمي

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram