اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > إشارة المرور.. بين غياب الوعي وضعف تطبيق القانون

إشارة المرور.. بين غياب الوعي وضعف تطبيق القانون

نشر في: 4 مارس, 2015: 06:26 ص

 كثيرة هي المواقف والأحداث التي تم تناقلها ،عبر مغتربي ومهجري العراق في شتى بقاع المعمورة ،عن التحضر والتمدن والالتزام بالقانون وتطبيقه، والمحافظة على البيئة، والنظافة العامة في الشواع والحدائق وكل الفضاءات الاخرى. الامر الذي يقابل بالحسرة والتأ

 كثيرة هي المواقف والأحداث التي تم تناقلها ،عبر مغتربي ومهجري العراق في شتى بقاع المعمورة ،عن التحضر والتمدن والالتزام بالقانون وتطبيقه، والمحافظة على البيئة، والنظافة العامة في الشواع والحدائق وكل الفضاءات الاخرى. الامر الذي يقابل بالحسرة والتأفف من كل سامعي الحديث في داخل العراق. لكنك تراهم في اقرب وقت لممارسة بعض تلك الأحداث والأفعال المنقولة عنهم، يفعلون الشيء المعاكس وبإصرار، بدل إن يتعظوا ويتعلموا، او حتى يعطوا للحسرة والتأفف بعض حقهما. ومن هذه الامور العمل بقانون المرور واحترام العلامات المرورية ورجال المرور الذي يؤدون دورا كبيرا في تنظيم حركة المرور والسير في ظل ظروف اقل ما يقال عنها انها غير طبيعية، ناهيك عن طبيعة الطقس ونحن مقبلون على الصيف العراقي الذي لايرحم.

 

شرطي الإقليم
وكي لانذهب بعيدا ونخوض في غمار حكايات حدثت في بلدان عالمية قطعت اشواطا من التقدم والرقي المجتمعي، والتطور والتحضر والالتزام بالقانون الذي بات الان احد تعاريف الثقافة، لناخذ اقليم كردستان أنموذجا. في زيارة اخيرة الى الاقليم ولمحافظتي السليمانية واربيل، اللتين اصبحتا من المدن المتطورة والمتحضرة بفترة قياسية، اذ يتلمس كل زائر ذلك، من نظافة الشوارع والبناء والعمران والحدائق والمتنزهات وسير السيارات وعدم استخدام المنبه الا للضرورة القصوى، وامور اخرى كثيرة جعلت من مدن الاقليم مثالا يضرب في الكثير من الاحيان. من بينها طبعا احترام الاشارة المرورية والالتزام بها اضافة الى الالتزام بالسرعة المحددة لكل شارع. 
شرطي المرور الواقف قرب الإشارة الضوئية اكتفى بالجلوس والتمتع بنظارة الشارع والجو العام، وقد يتدخل بشكل او بآخر في بعض الحالات القليلة ومنها على سبيل المثال التنبيه لبعض سائقي المركبات بلبس حزام الأمان او ترك التحدث بالموبايل، واغلبهم من زوار وسياح الإقليم. الجانب او "السايد" الأيمن من الشارع مفتوح ولا يجرؤ احد على الوقوف فيه، وغلقه أمام السيارات الأخرى التي تروم الاستدارة أو الدخول الى شارع فرعي. المارة ملتزمون بالإشارة الخضراء والعبور وقت ما يسمح لهم به ذلك وبكل شيء آخر متعلق بالنظام و بالقانون الموضوع من قبل السلطات المعنية، مع قانون التحضر والتطور المجتمعي.
السلامة العامة
يبدو الأمر أعلاه مألوفا ومعلوما ومعمولا به، في بغداد السبعينات والثمانينات. فقد كان الكل ملتزمين بالإشارة والنظام والقانون، وكانت هناك غرامات فورية تفرض على من يخالف أية تعليمات مرورية، وبالأخص اشارة المرور، وكان العبور من الأماكن المخصصة والمخططة بالأبيض العريض، قبيل خط وقوف السيارات. واذكر ان أغنية تعليمية وإرشادية بهذا الخصوص كانت تبث بشكل مستمر، لأجل التوعية المجتمعية ولمعرفة مخاطر المخالفة لقانون المرور والعبور من المناطق غير المخصصة لذلك. بالإضافة الى برنامج السلامة العامة الذي يقدمه ضابط المرور ابتهاج الياور، وما كان يقدمه ويوضحه من إرشادات وتعليمات تخص المرور، حتى انضم الى برامج العائلة العراقية آنذاك، الرياضة في أسبوع، والعلم للجميع، وعدسة الفن، وغيرها من البرامج. فقد أضاف الياور للمتابع ثقافة مرورية استفاد منها الشارع العراقي، عبر طريق التقديم وشرح الحالة المرورية، والحادث الذي كان يحصل عبر مخطط ومجسم مصغر. مع الالتزام بالقانون الذي كان يطبق آنذاك في اشارة المرور والالتزام بالعلامات والعمل بها.
 
"ضرب" الإشارة
الان الوضع غير ذلك، بعد ان عاودت الإشارة المرورية العمل في بعض شوارع وتقاطعات العاصمة بغداد، وبشكل متقطع أحيانا، خاضع إلى استقرار الطاقة الكهربائية وتوفرها. لكن رغم ذلك هي خطوة ايجابية تستحق الإشادة، الا أنها تعاني من بعض الإشكالات التنظيمية . وهذا ما تمت ملاحظته في بعض تقاطعات المدينة. حيث تتحول من منظم للسير وتقليل الزحام والاختناق المروري، الى سبب في ذلك. كما ان البعض من اصحاب النفوس الضعيفة قام بسرقة مصابيح الاشارة. بالاضافة الى تلكؤ عمل امانة بغداد في صيانة وادامة الاشارات الضوئية وعلامات المرور في العاصمة بغداد.
من هذه الإشكالات، والصعوبات التي يواجهها رجال المرور، يقول النقيب المروري لؤي التميمي : "اذا ما مر موكب لمسؤول تلغى الإشارة، وأحيانا تأتي سيارة من الموكب وتقطع الشارع العام وتوقف كل السيارات لمرور سيارة المسؤول. وهذا الأمر سبب لنا الكثير من الاحراجات أمام المواطنين والإشكالات مع عناصر الحماية أو القوى الأمنية الأخرى." مشيرا الى حادثة عناصر حماية وزير حقوق الإنسان واعتدائهم على بعض رجال المرور بالضرب وسط الشارع وأمام أنظار المواطنين. وأضاف التميمي: "الشيء الآخر الذي نعاني منه هو كثرة الباجات الحكومية وتجاوز البعض من حامليها على عمل رجال المرور والضوء الأحمر، مع حالة أخرى هي عبور المارة وقتما يشاؤون سواء أكانت الإشارة حمراء ام خضراء لا يهم. الامر الذي يسبب إرباكا في حالة الإشارة الحمراء، وربما تحدث بعض الحوادث، نتيجة التوقف المفاجئ للسيارة أثناء عبور بعض الأشخاص بشكل عشوائي ولا يوجد قانون او فقرة تحاسب المارة."
إجازة السوق ؟!
قبل سنين اعلنت مديرية المرور العامة عن منح اجازات السوق لمن يرغب بذلك، وبالطبع وفق تعليمات خاصة بهذا الشان تشمل العمر والمهارة بالسياقة ومعرفة دلالة كل علامة مرورية. وهذا ما كان معمولا به مسبقا. لكن للاسف الذي نسمعه ونراه ان البعض يحصل على الاجازة وهو جالس في البيت فقط يقدم طلبا وطبعا لقاء مبلغ مالي يترواح بين 200 الى 400 دولار حسبما ذكر ذلك المواطن كريم لازم الذي تقدم بطلب للحصول على اجازة السوق للعمل بشكل مريح على سيارته الكيا، لكنه فوجئ بحصول البعض ممن يعرفهم على الاجازة قبله، وهو الذي اشرف على تدريبهم وتعليمهم السياقة، لكنهم حصلوا عليها دون دخول الاختبار او الامتحان.
شرطي خفر
من لطائف وغرائب الإشارة المرورية، ما نراه في احد التقاطعات، حيث يقف شرطي مرور واحد طوال اليوم ومنذ فترة ليست بقصيرة وبشكل قد يكون يوميا. حتى بات يعرف كل من يسكن قرب التقاطع ومن عمله هناك. لذا ابتكر طريقة جديدة، حيث يوقف عمل الإشارة الضوئية، اذا ما شاهد احدا ممن تعرف عليهم وهم من الميسورين بأغلب الأحوال قد توقف بأمر الإشارة، فيسارع بفتح السير له، (وطبعا الأمر ليس مجانا.) ومن الغرائب الأخرى، ان مفرزة المرور الواقفة في تقاطع مهم وحيوي في جانب الرصافة، توقف السيارة المخالفة وسط التقاطع، الامر الذي يربك الإشارة الضوئية، وحركة المرور والسير، لتتحول من نعمة الى نقمة.
الأغنام تقطع الشارع!
قد تكون سني ما بعد التغيير النيساني 2003 وما رافقها من فوضى عارمة، مصحوبة بجهل وتخلف مجتمعي من الظواهر التي ربما ستكون مستدامة لوقت ليس بالقصير، اذ لم توضع معالجات سريعة لها، وهي كما معلوم انعكاس لسياسية النظام السابق، الذي جعل الشعب يعيش في دوامة المشاكل والخوف والرعب، وانعكاس لسياساته العبثية في خوض الحروب وما نتج عنها من ويلات ودمار، يضاف لها حصار وقمع مورس ضد الشعب بعد انتفاضة 1991، الامر الذي جعل الناس عامة تصب اهتمامها في كيفية التخلص من السجون والمعتقلات والإعدامات، والعمل بكل جهد وطاقة على توفير لقمة العيش في سني الحصار البغيضة. ليتراجع الوعي المجتمعي والتحضر المديني الى أدنى درجاته، مع غزوة القرى والأطراف المحيطة بالمدينة، وعكس طبيعتها وطرق عيشها العشوائية على اغلب مرافق وسلوكيات المدينة التي تحولت بوقت قياسي الى قرية كبيرة. فقطعان الماشية والأغنام تتجول في الأحياء كافة، وتقطع حركة السير في الشوارع وتربك التقاطعات بالرغم من وجود رجال المرور. واذ ما حاول رجل المرور التدخل في منع ذلك، يكون الرد أما بالتهديد العشائري، أو السخرية من النظام والتهكم عليه. مثل هذه الحالة وما شابهها قد تكون فردية هنا وهناك. لكن هناك ما هو اكثر أهمية. فاكثر الدول تقدم وتحضر تلك التي تلتزم بالقانون، والذي يفترض ان يكون صارما وقاسيا، حتى تسيير الحياة بشكل مناسب وسهل، من غير منغصات.
 
 
 
فارزة
 
 
أهم فقرات قوة القانون العام والنظام، هو قانون الالتزام بالمرور، فأكثر الدول والبلدان والمجتمعات تحضرا تلك التي تلتزم بقوانين المرور والسلامة العامة، لينعكس الأمر بعد ذلك على كل جوانب الحياة الأخرى. ومن بين الأمور المساعدة في هذا، هو تطوير برامج السلامة العامة عند الناس بشكل عام وشرطة المرور بشكل خاص، فالذي يبدو ان اغلبهم ،أي رجال المرور، لا يعرف الكثير من القوانين وحتى الإشارات والعلامات المرورية وما تفرضها من تعليمات، فتجده في واد، والشارع وحركة السير والإشارة الضوئية في واد اخر.  لذا لابد من إخضاعهم الى دورات تطويرية وتعليمية لفقرات قانون المرور، والعلامات المرورية ودلالاتها. بالإضافة الى أهمية عودة برامج السلامة العامة وعبر كل الفضائيات العراقية والإذاعات وحتى الصحف ووكالات الأنباء، لتكون بالتالي حملة وطنية من اجل نظام مروري متطور ومجتمع متحضر وسلامة عامة للجميع. مع اهمية وجود كاميرات المراقبة في كل الشوارع والتقاطعات. والاهم هو تربية وتعليم الأطفال في مراحل الدراسة الأولى أهمية الاشارة الضوئية، والعبور من المناطق المخصصة لذلك، وتعريفهم بشكل تدريجي بقانون المرور، لاجل ان ننشئ جيلا يحمل صفة التحضر والتطور، والالتزام بالقانون. وهي مسؤولية تقع على الجميع : الاسرة والمدرسة والوزارة المعنية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram