أكثر ما يؤلم الانسان المبتلى بمرضٍ في زمن ضاعت فيه مقاييس الوفاء وإكرام المضحين لأوطانهم أن يتم الاعلان عن موته مرات عدة في موقع (التقاطع) الاجتماعي " مثلما اتخذه هكذا لفيف من مستخدميه بنية غير بريئة " ثم يعتذرون في اليوم التالي، بينما هو يعاني الألم ومحنة البحث عن دواء شافٍ يعيد اليه قوّته التي أُنهكت ويحفظ له ما تبقى من دموع الاحساس بالغربة بعدما ذرف الكثير منها شوقاً للصلاة على أرض الرافدين.
منذ سنين عدة والإعلامي الكبير مؤيد البدري يداري صرخات ألمه بالكتمان ولم يبح بشكواه من عقوق الآخرين تجاهه وهو المواطن الخدوم لرياضة بلده اكثر من أربعين عاماً وصديق الشعب في ثلاثاء برنامجه الشهير (الرياضة في اسبوع) وفأل الخير للمنتخبات الوطنية ومصدر حماستها كلما أشتد أوار معاركها الكروية وكأنه يقاتل مع اللاعبين بصوته المسموع بالقرب من خط التماس في أكثر من موقعة تاريخية لم يستسلم حتى في أقسى وقائع الهزيمة ليبث الأمل في أسود العراق، اذهبوا الى ملعب "آريامهر" ستسمعون صدى صوته وهو يردد عبارته التاريخية (انتهى الوقت.. وما ندري الحكم شيضيف).
فهل انتهى وقت البدري كي تقيموا له سرادق العزاء في صفحاتكم ومواقعكم ومنتدياتكم ووسائلكم الاعلامية بلا خجل، ثم ما حكاية اولئك الذين ينهمكون لالتقاط الصور في زياراتهم التفقدية لبيته للتأكيد بأنه حي يرزق لم يمت، هل يعلمون أنهم يميتونه كمداً وحسرة لما آلت أليه مكانة الرموز من مثله أمام الجماهير بذريعة تكذيب خبر وفاته بتوثيق صورة تذكارية تحقق لهم المزيد من (اللايكات) والمدائح والشكر على الزيارة (الفيسبوكية) لبيت البدري المهموم؟
اعقلوا.. ولا تزيدوا معاناة الرجل.. ولتكن اصواتكم موحدة لهز ابواب الحكومة كي تخرج عن صمتها، فما هكذا تُكافأ الرموز في بلدي وما أكثرهم، وحريّ برئيس الوزراء حيدر العبادي أن يبادر على الفور لنقل البدري من الدوحة الى المشفى التخصصي في أميركا لإنقاذه من مرضٍ يكاد يسرق منه نفسه الأخير في أية لحظة إذا ما تأخر علاجه، بدلاً من ترك مواطنينا المغتربين يبادرون لحمله على اكتاف نخوتهم وهو الأبي والغيور والحساس والمتعفف من أية محاولة تشعره بالمنّة والتصدّق حتى لو قدّمت له على طبق الاعتزاز بشخصيته وما قدمه لبلده.
إن التعامل الحكومي مع مرض البدري ينبغي ألا يمرّ عبر اجتياز موانع إدارية روتينية صِرفة تستهلك شوطاً حاسماً من صراعه مع مرضه، فالحالات الطارئة تستوجب أوامر وتوجيهات عاجلة من اعلى مسؤول لتسهيل رحلة علاجه الى اميركا، وهذا شأن لا يَحتمل التباطؤ والتكاسل، فهناك تنسيق دؤوب مع القائم بأعمال سفارة جمهورية العراق في الدوحة نوار صادق جواد أحد أبرز الشخصيات الدبلوماسية التي عملت في السفارة بحكم شهادات الرياضيين انفسهم بعدما أنار نوار بيته بشموع الوطنية الخالصة لمساعدة العراقيين المقيمين هناك ولم يتوان في دعم منتخباتنا الوطنية الزائرة وتذليل المعوقات التي تواجه الاتحادات الرياضية، حيث أنه ينسّق بجهد استثنائي في قضية البدري ومضطلعاً بهمومه، ووضَع رئيس مجلس النواب د.سليم الجبوري خلال زيارته الأخيرة للدوحة بالصورة الكاملة عن التدهور الصحي للبدري ما دفع الجبوري لتفقده في بيته واطلق تصريحاً عِبر مكتبه الاعلامي قال فيه " إن البدري اصبح أيقونة لزمن الانجازات الرياضية العراقية الكبيرة، وهو ما نتطلع الى عودته ونسعى له بالتعاون مع الجميع ونستغرب عدم شموله بالمنحة المخصصة للرياضيين العراقيين وسنتابع الموضوع شخصياً مع الجهات ذات العلاقة. فمن الضروري إحاطة البدري بالدعم والرعاية، بما يليق بمكانته على المستويين المحلي والعربي كرمز من رموز هذا البلد".
فماذا حصل بعد هذا التصريح؟ الأيقونة أُهملت والمنحة حُجبت!
البدري في ذمة الآه!
[post-views]
نشر في: 4 فبراير, 2015: 09:01 م