١
-٢
لا توازي بشاعة وفظاعة حرق الناس وهم أحياء، إلا فجيعة حرق الكتب عن عمد وترصد وسابق تصميم.وإصرار.
تبارت — في الآونة الأخيرة —وسائل الإعلام في الشرق والغرب،وتسابقت بنشر صور حرق الكتب بمكتبة الموصل العامة، وقبلها، في مكتبات الأنبار، وتفرج القاصي والداني على مشاهد إضرام النار في الكتب القيمة والمخطوطات،كما لو كان مشهدا سينمائيا عابرا، يغور في الزحام حال مغادرة القاعة!
التفرج على الكتب وهي تحرق - بغبطة اومباهاة او لا مبالاة - دون محاولة لإطفاء ضرام النار، ولو بصرخة إستغاثة، جريمة، وهي ممارسة حرام، كالفرجة على عورة ميت. سيما والفاعل هذي المرة ليس مجهولا او ضميرا مستترا، كما في الجرائم الغامضة، بل الفاعل معلوم، مرفوع بالضمة، مشفوع بكل حروف الجزم والنصب والجر. ومستثنى بـ (إلا).
آدانت منظمة اليونيسكو فعلة حرق الكتب. بخ.. بخ. هل تكفي إدانة على شكل همسة!! في مجاهل غابة تعج بالضواري؟ هل يجدي التوجع وذرف الدموع وعرض الحال على من لا يهمهم الأمر؟؟
……..
لماذا حين يأزف موعد آفول نجم أمة ما او يقرب كسوف شمسها، يبدأ الغرماء بجز رقاب الكتب. تمزيقا او غرقا او حرقا؟ يصطلون بضرام النار، ويستنيرون بالشرر؟ قبل التفكير بالقضاء على البشر؟؟
لا عزاء لنا، فعملية حرق الكتب ليست بالأمر الجديد، لكن الجديد ان يتم الفعل في القرن الواحد والعشرين، بسواعد وأكف تحمل آحدث انواع الهواتف المحمولة، وتتواصل عبرها وتتسمع أخبار اقتحام الفضاء وسبر مجاهل المريخ او عطارد، بأناس من لحم ودم وليس عبر الروبوت - الإنسان الآلي- او مجسات الاستشعار.
قبل قطع الرؤوس، بدأ هولاكو - حين اجتاح بغداد - بالكتب، أمعن فيها حرقا،حتى ادلهم صحو بغداد بسخام وهباب الدخان واسودت جبهة النهر لفرط ما ساح في الماء من حبر المخطوطات التي لا تعوض ولا تقدر بثمن.
الكتاب النير الملهم عدو الجهال والأميين، لذا، مارس العداء للمعرفة - لوجه المعرفة - دولا وكيانات وتنظيمات و.. و.. منذ أزمان موغلة في البعد، منذ عهد روما القديمة، مرورا بحرق مكتبة الاسكندرية - ذات الخمس عشرة آلاف كتاب،مرورا بما أحرق من مؤلفات ابن رشد بحجة الزندقة، وآثار ابن المقفع بحجة التهتك،وكثير من مؤلفات الرازي وابن سينا والكندي، مرورا بألمانيا النازية على عهد هتلر………… لعملية حرق الكتب عبر الأقطار وحقب التاريخ، قصص ودلالات عميقة، تستحق ان تروى، تستحق المتابعة لاستلهام العبرة والموعظة …. وللموضوع بقية.