اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فن وحليب

فن وحليب

نشر في: 27 فبراير, 2015: 02:52 ص

كنت أقلِّب فولدر المعرض الذي نحن في الطريق الى حضور افتتاحه في مدينة أبنكدام بينما كانت زميلة لي تقود السيارة التي نستقلّها باتجاه الغاليري الذي يختص بعرض اللوحات الصغيرة فقط ، والذي أعرض فيه مجموعة من اللوحات المربعة التي تنسجم مع مختارات المعرض . كنت أرفع رأسي كل بضع دقائق لأتطلع الى حقول مدينة خروننغن الخضراء الواسعة التي تحيط بالسيارة ثم أعود الى لوحات الفولدر وتفاصيل الفنانين المشاركين . مرّت نصف ساعة ونحن وسط مزارع خضراء تقطعها السيارة بخفة ونعومة حتى لاحت لي يافطة كبيرة أخذت تبتعد خلف السيارة ويصبح حجمها أصغر، يافطة وضعت قرب مزرعة واسعة وبيت ريفي كبير وقديم . وهنا أثارني ماهو مكتوب على هذه اليافطة الغريبة ، حيث خط عليها بحروف كبيرة بيضاء وبشكل يبدو غير متقن عبارة " فن وحليب " . عندها ذهب فضولي الى أقصى مدياته لمعرفة القصد منذ ذلك ، فطلبت من زميلتي أن توقف السيارة وتعود قليلاً الى الخلف حيث اليافطة المفاجئة . أوقفنا السيارة على جانب الطريق وترجلنا بالاتجاه المقصود ، ولحسن الحظ كانت لدينا ساعة من الوقت قبل افتتاح معرضنا .
سرنا باتجاه البيت القديم الذي خرجت منه امرأة في الأربعين تمسك أدوات تنظيف بيديها . إستقبلتنا بابتسامة وهي ترحب بنا ، وبعد أن سألناها عن ما قرأناه على اليافطة في الجانب المحاذي للمزرعة ، قالت أن كل قاعات وغرف البيت وطوابقه الثلاثة مليئة باللوحات الفنية وبإمكاننا أن نشاهدها على مهل . وهكذا تابعنا طريقنا وسط الغرف والقاعات ونحن نشاهد أعمالا فنية رسمت بطريقة تعبيرية وبألوان كثيفة تشبه العجائن وبحجوم كبيرة ، وفي مكان آخر لوحات تمثل الطبيعة المحيطة بالمكان بينما عرضت في الطابق الثاني مجموعة من اللوحات التجريدية المختلفة ، وفي أعلى طابق كانت هناك مجموعة من الأعمال التي نفذت بمواد مثل الألياف والحبال وغيرها من الأشياء التي تبدو من نتاج المزرعة نفسها . وبينما نحن ننزل السلالم الى الأسفل وصلنا صوت المرأة وهي تشير الى حديقة كبيرة وغير منتظمة خلف البيت لتخبرنا أنها حديقة للتماثيل . دخلنا بصحبتها الى الحديقة ووجدنا أنفسنا وسط مجموعة من التماثيل البرونزية والحجرية التي تملأ المكان ، أنها حقاً غابة صغيرة من التماثيل المتنوعة والجميلة التي تبدو منسية وسط هذه البقعة من الأرض ومع هذه المرأة التي ليس لها اهتمام على ما يبدو سوى تنظيف المكان والاهتمام بعنايته وترتيبه .
انتهت جولتنا حسب ما هو متوفر لنا من وقت وسط هذه الأعمال الفنية والتماثيل والزوايا الغريبة للمكان . شكرنا المرأة على استقبالها الطيب والودود ، وقبل أن نغادر التفتُّ إليها وسألتها بجدية " لكن أين هو الحليب ؟ " فابتسمت ابتسامة عريضة وأشارت بشكل عابر الى أبقار بعيدة وهي تقول " أن هذه اليافطة التي شاهدتها على طرف الشارع ماهي إلا مزحة ابتكرتها لجذب محبي الفن والفضوليين مثلكم ليطلعوا على الأعمال الفنية التي أعرضها هنا ، فليست للحليب أية علاقة بالموضوع وقد استخدمته هنا لأثير فضول المارة بعد ان أصبح عدد القاعات الفنية كبيراً بشكل لا يصدق والكل بحاجة الى جمهور . أعجبتني هذه المزحة التي نجحت في صطديادنا وسحبنا الى هذا المكان المنعزل الذي لا يخلو من الفن والغرابة أيضاً .
أكملنا طريقنا نحو معرضنا ولوحاتنا الصغيرة وحضرنا الافتتاح الجميل والمزدحم، وبدأت أتحدث عن اللوحات المعروضة مع الأصدقاء الحاضرين هنا وهناك والوقت يمضي بنا وسط هذه الألوان والأجواء الاحتفالية . وبعد مضي أكثر من ساعة باغتني وجه مألوف ظهر من بين الحاضرين مبتسماً ، أنها صاحبة الفن والحليب وقد جاءت متأخرة لافتتاح معرضنا ، أشارت لي بكأس نبيذ أحمر يناسب افتتاحا ملونا وبهيجا وأنا أضحك بصوت مسموع وسط استغراب الحاضرين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram