في رواية (الحرب والسلام) للروائي العظيم (ليو تولستوي) يقول أحد أبطال الرواية في متن فصلها الأخير-بما معناه- ليس الموت أن تموت أنت،بل أن يموت كل ما من حولك وتبقى أنت الوحيد على قيد الحياة. استهلال كهذا يفاوض بالدخول-طوعا- الى جوهر المساعي الإنسانية ال
في رواية (الحرب والسلام) للروائي العظيم (ليو تولستوي) يقول أحد أبطال الرواية في متن فصلها الأخير-بما معناه- ليس الموت أن تموت أنت،بل أن يموت كل ما من حولك وتبقى أنت الوحيد على قيد الحياة.
استهلال كهذا يفاوض بالدخول-طوعا- الى جوهر المساعي الإنسانية التي سعى الى التذكير بها الفنان الفوتوغرافي(هيثم فتح الله عزيزة-تولد الموصل 1955)وفق ما جاء في متن رهانه البصري من خلال هيبة المعرض الأخير الذي حمل الرقم ستة في ملاك معارضه الشخصية السابقة منذ بداية تسعينات القرن الماضي وحتى الآن في كل من بغداد وعمان في مجال تحديثات زوايا النظر لقيمة ودلالة ودقة عدسة الكاميرا الفوتوغرافية الى نحو أبعد مما هو متوفر ومتداول ومتاح،ووفقا لدراسة (هيثم) للعلوم/قسم الفيزياء في جامعة بغداد قبل تبنيه حمل ثقل هذا المشروع الحيوي والمغامر في ذات خلاصات مقاصده،لكنه هنا في معرضه السادس،جاء الينا بهواجس مواقف وتحريضات ضمنية وكاشفة لمجريات ما مامضى من تأريخ الحروب وكوارثها عبر استذكار تجسيدي شهدته محتويات معرضه الذي انضوى تحت يافطة (لا... للحرب)من خلال (250) صورة فوتوغرافية شهدته أروقة المؤسسة العامة للحي الثقافي(كتارا)في العاصمة القطرية(الدوحة)مساء يوم الثلاثاء/السابع عشر من شباط الماضي،من أصل مجموعة تحتوي على(960)صورة فوتوغرافية توثق للحرب و آثارها الكارثية على جميع جبهات الحياة (الاقتصادية)و(الاجتماعية)و(العسكرية)،تصادفا-قصديا ببواعث إنسانية بحتة من لدن هذا الفنان المثابر بهدوء صبر وبراعة تأن ونبل مواقف-مع مناسبة مرور مائة عام على الحرب العالمية الأولى(1914-1918)،وبحضور رسمي وجماهيري كبير ضم عددا من سفراء الدول(ألمانيا/الاكوادور/هنغاريا)والقائم بالأعمال العراقي والملحقية الثقافية الفرنسية وعدد من المهتمين والفنانين و الإعلاميين، إيمانا منهم في ثمين أهمية دور الثقافة والفن في بث و تحقيق سبل وخواص التعايش والتمتع بالأمن والسلام بين جميع من في الأرض،ومع مراسيم ذلك الافتتاح،تم-أيضا- توزيع كتاب ضخم عبارة عن موسوعة بـ (430)صفحة حمل عنوان(صور من الحرب العالمية الأولى)قام بإعداه وطبعة الفنان والناشر(هيثم فتح الله) في مطابع(الأديب) في العاصمة الأردنية/عمان،جاء ليؤرخ بالصورة والحدث الداغم أهوال وعذابات والآلام تلك الحرب المروعة التي أكلت الأخضر واليابس من عمر الناس وبقية الكائنات الحية والبئية التي شهدت آثارها على نحو مباشر ومستمر طوال أعوامها الأربعة الثقال،والتي ظلت البشرية تنوء بها حتى هذا اليوم،أي بعد مرور قرن كامل على تلك الحرب.
البقاء للذاكرة الأصلح
حوى معرض( لا... للحرب) على أكثر من تسعين صورة فوتوغرافية،غدت شاهدة عصر مجسدة لأهوال تلك الحرب التي دفعت بحياة ملايين الناس الى محارق الموت والدمار بكل أشكاله وآثاره،التي لم تسلم منها جميع المخلوقات الحية وعناصر البيئة،بل كل مسببات الحياة آنذاك،ومازلت آثارها حية وعالقة في أذهان الذاكرة الجمعية للوجود.عمد(هيثم فتح الله)الى تصنيف محتويات معرضه الى خمسة اقسام،خصص القسم الاول منها(زيارة ملك بريطانيا جورج الخامس لجبهات القتال) فيما حوى القسم الثاني (نشاط قوات التحالف في الشرق الاوسط وشمال افريقيا)، والقسم الثالث(صور جسدت ضراوة القتال في الجانب الغربي)والرابع تناول (صور اسرى الحرب)فيما أرشف القسم الخامس والأخير منها(صورعن تدميرالمدن وتحريرها(.
هنا يتحادد التوافق الذهني والجهد العملي لفعل آليات الذاكرة وهي تعيد توصيف الأحداث وفق مقدرات وبلاغات معرفية وتحريضية من شأنها أن تحيي -عبر الصورة الحية والناطقة،وخواص فعل الذاكرة بنبضاتها الوجدانية- جذور إعادة نسغ التواصل ما بين جميع الثقافات وشعوب العالم وبما ينسجم مع جذوة الفكرة الأساسية التي تبناها هذا المعرض ومساعيها وفق معايير تحقيق السلام ونبذ الصراعات والنزاعات العرقية والطائفية،والسعي لتشجيع لغة الحوار وشفاعة الحلول السلمية كنهج إنساني وحضاري يعيد للإنسان صدق وجوهر إنسانيته التي تحاول الحروب عبر تجارها وعرابيها الى دق اسفين بين أبناء العالم على ضوء(عتمة)مصالحهم تحت أي ظرف كان. كثفت أعمال معرض(فتح الله) من خلال امتلاكه لأرشيف كبير يضم مصادر قديمة من بينها أرشيف (جريدة الحقيقة) التي كانت تصدر في فترات تلك الحرب في العاصمة البريطانية( لندن) والتي كانت- بحسب تصريح فتح الله- تغطي نشاط دول الحلفاء الطرف الرئيس في حمم ذلك النزاع وكانت (الحقيقة) توزع بأربع لغات في الشرق الأوسط هي (الهندية)و(الفارسية) و(العربية)و اللغة (التركية) ، وهذا ما أعطى ثقلا مصداقيا لموضوعية وحيادية الاعتماد على دقة الصورة-الوثيقة ،بغية زجها كدليل دامغ لشراهة وبشاعة الحرب في جميع نفوس أطراف ذلك النزاع،عدا المستفدين والمروجين لها.
مآسي الحرب.. مآسي الإنسان
سعت صور المعرض ، ومن خلال حرارة تلك المواقف الواقعية والصراحة الموضوعية الى رصد وتسجيل حجم القوات والحشود المشاركة في الحرب،وصور أخرى للأسرى وغيرها عن مخازن الأغدية والأعتدة،وصور لبعض الشخصيات التأريخية التي عاشت إبان تلك الحقبة السوداء من تأريخ البشرية،فضلا عن تماثل بعض الصور في توضيح ملابسات ظروفها القتال الصعبة ومواقفها والحرجة والمهلكة،وحياة الجنود في الخنادق و المدن و الصحارى والسهول،فضلا عن هول وجسامة التدمير الناتج الذي أسفر عن مقتل قرابة عشرة ملايين إنسان واثنين وعشرين مليون أسير جراء تلك التنازعات التي راحت ضحيتها الملايين من كلا الطرفين،لتكون شواهد توثيقية لما أصاب العالم –آنذاك- من خراب وويلات،حتى انها(أي صور المعرض)جاءت بمثابة تحريض وتذكير الى عدم نسيان فداحئها وفجائعها،والتفكير بعدم تكرارها . يرى( هيثم فتح الله) من جملة ما قال عن هدفية وغرضية هذا المعرض وفي هذا الوقت بالذات:( ان الهدف من عرض هذه الصور بعد مرور قرن من الزمن على توثيقها هو التذكير بمآسي تلك الحرب و لكي نقول بأعلى صوتنا لا للحروب...فلقد ذهبت الملايين من الضحايا إلى حتفها دون ان يكون لها اي هدف سوى ارضاء نزوات السياسيين والطامعين).