TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الأماكن البديلة للمسرح التقليدي

الأماكن البديلة للمسرح التقليدي

نشر في: 9 مارس, 2015: 03:43 ص

كانت بناية المسرح التقليدي لدى الاغريق القدماء مفتوحة غير مسقفة وواسعة واشبه ما تكون بالملاعب الرياضية، وعندما تبنت الكنيسة المسيحية الاعمال المسرحية الدينية اتخذت من صالات الكنائس مكاناً لعرض مسرحياتها، ثم خرجت بها الى الساحات العامة. وفي عصر النهضة ظهرت ابنية المسارح المغلقة والتي تسمى اليوم (مسرح العلبة) او (بناية المسرح الايطالية) حيث ينفصل مكان جلوس المتفرجين عن مكان العرض المسرحي وتكون رؤية المتفرج موجهة من زاوية واحدة من الامام.
وفي العهد الاليزابيثي بنيت المسارح المفتوحة وصممت اماكن جلوس الجمهور لتحيط بخشبة المسرح من ثلاث جهات، واليوم فإن كل تلك الانواع من ابنية المسارح مستعملة من قبل المسرحيين في شتى انحاء العالم ، ولكن البحث عن اماكن بديلة للعرض المسرحي غير المكان التقليدي وهو (مسرح العلبة الايطالي) اصبح من محاولات المسرحيين المعاصرين في الخروج على المألوف وعلى وفق تبريرات فكرية وفنية.
ولعل من ابرز تلك التبريرات: (1) يجب اختيار مكان العرض المسرحي بما يتناسب وطبيعة العمل ، فعلى سبيل المثال اختار المخرج الالماني (راينهارت) خيمة سيرك ليقدم تحتها مسرحية اغريقية هي (اوديب ملكاً) لسوفول وذلك اعتقاداً منه ان مكان السيرك يشابه المسرح المفتوح المدرج نصف الدائري الذي اعتمده الاغريق القدماء ، واختار واجهة كاتدرائية ليقدم مسرحية (المعجزة) ذات الطابع الديني ، في حين لجأ الى مسرح العلبة ليقدم مسرحية واقعية .. (2) يجب اختيار مكان العرض المسرحي على وفق مبدأ مشاركة الجمهور الفعلية في العرض المسرحي والغاء المسافة الجمالية التي تفصل المتفرج عن الممثل. وعلى سبيل المثال راح المخرج البولوني (جيرزي غروتوفسكي) يعمل بتغيير مكان العرض المسرحي او تنظيم جلوس المتفرجين على وفق ذلك المبدأ ففي احد العروض يحيط الجمهور بالممثلين وفي عرض آخر يتغلغل الممثلون بين المتفرجين.
اضافة الى المبررين السابقين فقد راحت بعض الفرق المسرحية في بعض البلدان تبحث عن اماكن للمسرح بديلة وذلك للخروج على المألوف والاعراف السائدة، فراح المخرج الايطالي (يوجينيو باربا) مع فرقة (الاودين) يعرض مسرحياته في الساحات العامة او في الحقول او في المعامل، وكذلك فعلت فرق (الخبز والدمى) الاميركية ثم ظهر مسرح الشارع حيث ان عدداً من المجموعات المسرحية راحت تعرض اعمالها في شوارع المدن.
ومثلما اقتبس المسرحيون العراقيون تقنيات العمل المسرحي من الغرب كذلك راح البعض منهم يبحث عن اماكن للمسرح بديلة عن مسرح العلبة وذلك لاسباب فنية ابتكارية من جهة ولاسباب مادية - عدم توفر ابنية مسارح مناسبة من جهة اخرى.
وهكذا قدم (سعدي يونس) اواخر السبعينات عرضاً مسرحياً في مقهى، وقدم (جبار محيبس) قبل عام عرضاً مسرحياً في الشارع او في احد الاسواق، وقدم الراحل (جعفر علي) مسرحية (فيت روك) الاميركية عن الحرب الفيتنامية في اطلال قصر الاخيضر، وقدم سامي عبدالحميد (ملحمة كلكامش) في اطلال مسرح بابل قبل ترميمه تحويراً عن الاصل وقدم صلاح القصب مسرحية (ماكبث) في حدائق قسم الفنون المسرحية في الكسرة.
عندما قامت دائرة السينما والمسرح باستغلال احد المنازل التراثية في بغداد ليكون مكاناً للعروض المسرحية وسمته (منتدى المسرح) راحت المجاميع المسرحية تعرض مسرحياتها في تلك البناية وهي التي تختلف في شكلها ومضمونها عن بناية المسرح التقليدية – مسرح العلبة، وذلك ظناً من ادارة المنتدى ان المكان مخصص للعروض التجريبية، والتي يتولاها المسرحيون الشباب، وشهدت بناية المنتدى السابقة والحالية عروضاً مسرحية كثيرة منها ماهو مبتكر او تجريبي ومنها ماهو تقليدي. ولم تقتصر تلك العروض على المخرجين الشباب بل تعدتها حتى الى المخرجين القدماء او الرواد، ولكن الملاحظ ان عدداً من تلك العروض لم يأخذ مخرجوها في حسبانهم شكل البناية ومدى صلاحيته لطبيعة مسرحية معينة، كما ان البعض منهم لم يفكر بمبدأ مشاركة المتفرج في العرض المسرحي بقدر مافكروا بالخروج على المألوف.
لاحظنا ان بعض المخرجين قدموا عروضهم المسرحية في باحة المنتدى كما لو كانت مسرح علبة بمعنى ان زاوية نظر المتفرج من جهة واحدة كما انهم غطوا احد جدران الباحة بستارة وكأنها (سايكلوراما) في مسرح العلبة. والقلة من المخرجين الذين قدموا عروضهم في المنتدى من استفاد من طبيعة البناية ومفرداتها وزواياها ليكيف عرضه المسرحي وفقاً لذلك، فهناك من استغل غرفة بناية المنتدى اضافة الى الباحة كما فعل (عوني كرومي) بمسرحية (ترنيمة الكرسي الهزاز) وكما فعل اخيراً (باسم الطيب) في مسرحية (اعزيزة) وهناك من استغل داخل البناية بالكامل وبطابقيها الارضي والعلوي كما فعل سامي عبدالحميد في (ايام الجنون والعسل).
اذن لابد لمن يقدم من المخرجين عرضاً مسرحياً في بناية المنتدى ان يفكر بالابتعاد عن معطيات المكان التقليدي للمسرح – مسرح العلبة، وان يفكر بكيفية الاستفادة من مرافق تلك البناية وطبيعتها وشكلها بحيث يخلق التناسب بين طبيعة عرضه المسرحي ومحتويات تلك البناية لكي يتحقق مبدأ التجريب وتتحقق محاولة الابتكار.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الفيفا يدرس زيادة عدد منتخبات كأس العالم

بريطانيا ترفع 24 جهة من قائمة العقوبات على سوريا

العراق يترقب أمطارا غزيرة تستمر للأسبوع المقبل

وزير الإعمار: نصف مساحة العراق خارج خدمات الصرف الصحي

منفذ طريبيل يمنع دخول 2000 رأس غنم مصابة بأمراض معدية إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: صيف المالكي

العمود الثامن: براءة نور وتابعه هيثم !!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

العمود الثامن: ألف حزب وحزب

العمود الثامن: من أين لك هذا ؟

 علي حسين ينظر المواطن المسكين مثل جنابي الى بلده العراق ، ويشعر بالأسى على بلدٍ كان يراد له أن يلتحق بقطار العصر، فارتدّ بهمّة خطب سياسييه، إلى الوراء، إلى مجرد احزاب سياسية تضحك...
علي حسين

كلاكيت: كيليان مورفي وأشياء صغيرة كهذه

 علاء المفرجي مثل مواطنه دانيال دي لويس، جاء الممثل الايرلندي "كيليان مورفي" الى السينما من بوابة المسرح، ومثل لويس تماما كتب أسمه بحروف ناصعة بين ممثلي السينما الكبار منذ أول دور له، حتى...
علاء المفرجي

الصوم.. في التحليل السيكولوجي

د.قاسم حسين صالح انشغل علماء النفس بدراسة الصوم بيولوجيا وسيكولوجيا وانتهوا بموقفين متضادين: ألأول، يتبناه كتّاب وأطباء نفسانيون عرب،يرون ان الصوم يؤدي الى انخفاض مستوى الجلوكوز في المخ،فينجم عنه اضطراب في عمل الدماغ، واختلال...
د.قاسم حسين صالح

إرباك هائل بسبب دراسة خاطئة

إبراهيم البليهي ليس أسهل من دفع الناس في اتجاه الخطأ خصوصا إذا خوطبوا باسم العلم والبحث العلمي وتم تخويفهم بأن صحتهم في خطر.. ففي عام 1951 نشر الباحث الأمريكي أنسيل كيتس دراسة زعم أنه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram