هل أجهزت داعش- التي رفعت شعار دولة الخلافة- على فكرة الدولة الاسلامية ؟ لا يبدو السؤال مبكراً جداً، فما نشاهده ينطوي على اكثر من دليل، إذ ان صور الجرائم التي نفذها مجرمو الدولة الاسلامية في سوريا ونينوى وتكريت والرمادي قطعت الشك باليقين، وقدمت أجوبة شافية لكل الاسئلة التي قدمها مفكرو السياسة الاسلامية، من الاخوان المسلمين حتى آخر الدعاوى التي ظل ينادي بها الخطباء في عموم الدول العربية والاسلامية، والذين تباكوا زمنا على الفرصة التي لم تتح لهم، والتي اتيحت اليوم.
لن تقتصر القناعة باستحالة قيام الدولة على المسلمين السنة، حسب، إنما يمكننا القول بوصولها الى مفكري الطوائف الاخرى بما فيهم الشيعة، فقد قدم الداعشيون صورة مخيفة للعيش في ظل الدولة الاسلامية، مثلما قدموا الصورة الاكثر رعبا للإنسانية. ومع يقيننا بخطأ من يعتقد بان فكرة الدولة الاسلامية عند الشيعة نسخة لا تختلف عن نسختها السنية، بل ومع يقيننا أيضا بعدم بلوغ التشدد الشيعي في السياسة والحياة أدنى مراحل التشدد السني، يمكننا ان نقول بتراجع فكرة الدولة عند الطرفين في آن. وهكذا نستبق الأحداث لنقول أن دولة داعش من شأنها ان تطوي بممارساتها الوحشية صفحة مهمة في التفكير العربي الاسلامي.
وفي العودة لاستبعاد فكرة قيام الدولة الاسلامية، المتشددة وغير المتشددة، بشقيها السني والشيعي في العراق، وجدنا ان الحياة لم تعد لتتسع مع افكار مثل هذه، وهذا لا يعني أننا نضع حداً للفكرة، لكن مجريات الحدث العربي في العراق وسوريا بخاصة، تفرز لنا مثل هكذا تطورات. لأننا غير قادرين على كتابة نهاية مثالية لدولة إسلامية تتخذ من المذهب الشيعي دستوراً، يتعايش فيها السني كما يرغب ويريد ويتطلع، ومثل ذلك نقول باستحالة قيام دولة اسلامية بدستور سني لاستحالة قبول المواطن الشيعي به. وبمثل التصور هذا لا نجد افضل من الدولة غير الدينية صلاحا لحياة الجميع.
في صالة لعرض اللوحات الفنية ببغداد اجتمعنا- نحن مجموعة من المثقفين- بيننا من جاء من البصرة وكردستان والرمادي وديالى وكربلاء وبغداد. كنا حشدا من افكار مختلفة، لكن، لم يكن بيننا من كان متشددا في دينه وعرقه وطائفته. اعد لنا مضيفُنا مائدة طابت المآكل والمشارب عليها، وتعددت الألوان، ولأن مائدة كهذا قابلة لشتى انواع الحوار، فقد كانت أحداث تكريت والرمادي ونينوى والجيش والحشد الشعبي وداعش مادتنا الرئيسية. لكننا –مجتمعين- كنا بذات الرؤية، نبحث عن خلاصنا، عن حياتنا التي يتقاذفها هؤلاء وأولئك، بين بنادقهم ومفخخاتهم. ولكي نسترد حياتنا كاملة كان رأي مضيفنا بان نسمع شيئا من الغناء، وحين صدح يوسف عمر بصوته البغدادي الأصيل الأجش، أنصتنا له.
هل كان صوت يوسف عمر سنيا؟ قطعا لا .هل كان صوته شيعيا؟ أيضا لا، كان عراقياً خالصا، أخذنا بعيداً على شاطئ دجلة العظيم، إلى الكرخ والرصافة معاً، ادخلنا الأعظمية والكاظمية معاً، حلق بنا في سماء عراقية خالصة، تمايلنا طرباً، وتعانقنا حبا وشوقا وخسارات.
هل اجهزت داعش على الدولة الاسلامية؟
[post-views]
نشر في: 10 مارس, 2015: 05:50 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
محمد توفيق
يقول الكاتب ومع يقيننا أيضا بعدم بلوغ التشدد الشيعي في السياسة والحياة أدنى مراحل التشدد السني... في رأيي أن المذهبان يختلفان بالفعل في المنطلقات والتوجهات السياسية وبعض شؤون العقيدة كالولاية والإمامة ، اها بالعلاقة مع الثقافة والفن وحرية الرأي والتعبير
محمد توفيق
يقول الكاتب ومع يقيننا أيضا بعدم بلوغ التشدد الشيعي في السياسة والحياة أدنى مراحل التشدد السني... في رأيي أن المذهبان يختلفان بالفعل في المنطلقات والتوجهات السياسية وبعض شؤون العقيدة كالولاية والإمامة ، اها بالعلاقة مع الثقافة والفن وحرية الرأي والتعبير