لعلها اول حرب واسعة يخوضها العراقيون ويتاح للمقاتلين ان يوثقوها بالفيديو المتاح لنا مشاهدته. المحتوى مؤلم في احيان كثيرة، ويوثق انتهاكات في احيان اخرى، قالت القوى الوطنية ومرجعية النجف مرارا انها يجب ان تخضع لمحاسبة، بكل الاعتبارات وعلى رأسها منع المزيد من الاحتقان الطائفي وحماية سمعة المقاتلين انفسهم، والذين انما ينتصرون على داعش بتمسكهم بالقانون قبل الاستبسال بالمعركة، لانهم يدافعون عن شرعية الدستور.
لكن محتوى الفيديوهات تلك يوثق ايضا نوع التضحيات المؤلمة التي يقدمها شباب العشائر والبيشمركة والحشد الشعبي في سبيل وقف وباء داعش. وهذه التضحيات تتطلب بشكل كبير سياسة مصممة بعناية لحماية نتائج الحرب وتفاصيلها، دوليا واقليميا.
وفي هذا الاطار يجب ان نفهم تصريحات التحالف الدولي الاخيرة التي تحدثت عن "قلق الحلفاء" فهي اختبار لدبلوماسيتنا وقدرتنا على تقديم العراق كشريك مسؤول في صناعة امن المنطقة والعالم. لا يكفي ان نتعاون مع اميركا ونعطي ظهرنا لايران والسعودية وتركيا، فهذا بمفرده لا يحمينا، وايضا لا يمكن ان نراهن على طرف اقليمي واحد او اكثر ونعطي ظهرنا للدول العظمى، وازعم ان العراقيين لم يخوضوا سجالا وطنيا بما يكفي بشان صياغة متوازنة لسياستنا الخارجية.
ان علينا ان نتفهم قلق التحالف الدولي وتصريحات المسؤولين الاميركان، لانهم ايضا حريصون على حفظ توازن بين دول مهمة مثل فرنسا، وتوازن اقليمي ايضا مع دول مثل السعودية، ولذلك فان هذا يتطلب ان نقدم توضيحات كثيرة ونقوم باجراءات عديدة، لا بشأن ما يجري حاليا من حرب وحسب، بل حول مستقبل علاقتنا الاستراتيجية بالغرب.
ومن المهم ان نلاحظ ان جزءا من قلق التحالف الدولي يتصل بفهم معنى الحرب على داعش. فالغرب يريد معركة يوازيها تصالح سياسي وضمانات بتهدئة ومراجعة وحفظ للتنوع السياسي وقبول بتنازلات متبادلة بين المكونات الرئيسة.
وسبب القلق الغربي هو تأخرنا في حسم ورقة الاتفاق السياسي التي تشكلت على اساسها الحكومة. والتاخر عائد الى اسباب متنوعة منها ما لاحظناه في ارتباكنا الحكومي والتشريعي حول قوانين المساءلة والعدالة والحرس الوطني. ولاشك ان رئيس الوزراء يواجه ضغوطا بهذا الشان بسبب انقسام التحالف الشيعي بهذا الشان، وبسبب "تحفظات اقليمية" ولا شك.
ومعنى هذا ان تسوية وضعنا الداخلي سيظل شرطا لتطبيع علاقاتنا بالدنيا باسرها، وهذه "قيمة مضافة" ينبغي ان تشجعنا على تصميم ما يتطلبه الموقف من قرارات كبيرة، سيكون الاستقرار الناتج عنها افضل هدية لكل الشباب العراقيين الذين ضحوا في سبيل طرد داعش وتصحيح اخطاء نوري المالكي وفريقه السياسي والعسكري.
لكن المهمة ليست عراقية محضة، وقد كنت اتحدث على شاشة "العربية" ليل الثلاثاء ووجدت ان من الضروري ان نقوم بتذكير المحيط العربي كل يوم، بان استمرار شكوكهم وترددهم حول بغداد لا معنى له سوى ترك بغداد تتحمل اعباء اكثر مما تستطيع.
ان العرب لازالوا يتاخرون في توفير المستوى الكافي من الحوار مع العراقيين، وينتظرهم دور كبير في مساعدة الفرقاء على اتخاذ القرارات المناسبة، ودور ايضا في مساعدة العراقيين على التحول الى سبب لاستقرار المنطقة والى شريك في امنها، لان عزل العراق وتركه كما اثبتت الاعوام السابقة، لا يعني سوى شرق اوسط مختل تكون ازماته برميل بارود لا يعرف حدودا.
مهمة للعراقيين واخرى للعرب
[post-views]
نشر في: 11 مارس, 2015: 06:39 م