إن اولى المسلمات التي تعلمناها أو قرأنا عنها في تأليف المناهج الدراسية ،تقتضي تحقيق المفاهيم والحقائق والتعميمات ،التي تساعد على تنمية الجوانب الاجتماعية والنفسية والعقلية لدى الطلبة ، فضلاً عن مراعاة الاهداف التربوية والسلوكية . لدى الطلبة ، والمعرف
إن اولى المسلمات التي تعلمناها أو قرأنا عنها في تأليف المناهج الدراسية ،تقتضي تحقيق المفاهيم والحقائق والتعميمات ،التي تساعد على تنمية الجوانب الاجتماعية والنفسية والعقلية لدى الطلبة ، فضلاً عن مراعاة الاهداف التربوية والسلوكية . لدى الطلبة ، والمعرفية ، وتنمية مهارات التفكير بمختلف المستويات .
وتتفاوت عمليات الاهتمام هذه حسب طبيعة كل مادة دراسية . وبمستوى ارقى حين تتوجه نحو تنمية التفكير الناقد والابداعي وحل المشكلات . ثم اتخاذ القرارات التي تتطلب قدراً عالياً من الذكاء ، بخطوات متسلسلة مدروسة على نحو علمي.
ومن الحقائق المتفق عليها ايضاً . ان المناهج الدراسية تعني كل الخبرات التربوية التي يقصد منها مساعدة الطالب على النمو الشامل في جميع الجوانب العقلية والثقافية والاجتماعية والجسمية والنفسية ، وهي كذلك أداة لتحقيق الاهداف التربوية . اذا ما علمنا ان المناهج الدراسية هي خبرات منظمة هادفة لتحقيق غايات وآمال الفئة التي وضع لها المنهج.
لكننا وللأسف الشديد ، لا نجد لهذه المفاهيم والمعايير من أثر يذكر في وضع وتأليف بعض المناهج الدراسية الخاصة بقواعد اللغة العربية ، وهو ما دعاني الى مناقشة مفردات منهج قواعد اللغة العربية لطلبة المرحلة الاولى من الدراسة المتوسطة. كنموذج لحالة التعسف والجلد الذي مارسه اعضاء لجنة تأليف الكتاب المذكور ، بحق طلبتنا الفتيان . في الوقت نفسه لايوجد لدينا ادنى شك بقدرات اعضاء اللجنة ، وهم اساتذة متخصصون وضليعون باختصاصهم ونكن لهم التقدير والاحترام لمشاركتهم الواسعة في هذا الجهد ، ولعلومستوياتهم العلمية والاكاديمية . الا انهم هنا في وضع مفردات هذا المنهج كانوا في واد ، والطلبة في واد آخر ، وكأني بهم نزلوا الى ميدان التباري والمنافسة فيما بينهم ، بانتظار لحظة الفوز على الاخر ، لكنهم اتفقوا في البحث عن اعقد الامثلة واصعبها ، وراحوا يغورون في بطون كتب التراث العربي ، والشعر بلغة الجاهلية . واعتماد الايات القرانية ، والاحاديث النبوية ، ليختبروا من خلالها عقول الطلاب الغضة ومدركاتهم المتواضعة .. دون حساب للنتائج ، أو تحقيق الاهداف المنشودة.ودفعوا بالطالب المسكين ، محدود القدرات، الى التيه الذي لانهاية له. لذا أجد من الضروري ان استعين بخبراء اللغة ، والمتخصصين فيها ، والمربين من المعلمين والمدرسين ، واولياء امور الطلبة ، والطلاب انفسهم . ان يدققوا بالامثلة التي وردت في المنهج ، ليكون لهم الفصل في تقدير المنفعة اللغوية والمعرفية التي أراد لها مؤلفو الكتاب الضياع ، في لجة التعقيد وعسر الفهم... وصنعوا بانفسهم اسباب اخفاقهم وفشلهم في وضع المنهج . وفي هذا السياق بودي ان اذكر زملاءنا الاساتذة من المؤلفين بما تعلمناه من قواعد في اللغة العربية في مراحلنا الاولى من الدراسة . في خمسينات القرن الماضي أو ستيناته وما تلاها أيضاً من عقود . اذ ما تزال الامثلة الحية البسيطة المركزة والعميقة التي اعتمدها منهج قواعد اللغة العربية الذي ألفه النحويون المصريون المعروفون ( علي الجارم ) ، و (مصطفى امين) محفورة في اعماق الذاكرة .. لا تنمحي اثارها من الرأس حتى هذه اللحظة .. لسبب بسيط جداً ، لا يخفى على الزملاء المؤلفين كذلك ، انهما اعتمدا تبسيط اللغة ، وتجنب التعقيد والارتباك ، أو الخوض في اشكالات اللغة ومطباتها التي لا حصر لها وقدما منهجا راكزا ومستقرا ومدروسا ظل يحتفظ بحيويته وصلاحيته الى يومنا هذا ، وإن تعاقبت الاعوام ، وتغير الحكام.
هنا تكمن اسرار خلود المنهج الذي وضعه الجارم وزميله . اليس من المنطقي التساؤل عن اسباب عدم اعتماد هذه التجارب التي اثبتت نجاحها ، ومراجعتها،والبحث في اسباب تفوقها على الاقل ؟ ما بالنا نخوض في التجريب دون ان نحقق الافضل، ونذهب بعيداً لنتخبط بانتاج مناهج بلا هوية تفتقر الى الدراسة والتخطيط ، والمنهجية ، والرؤية ؟ في حين ان تراثنا اللغوي قدم امثلة رائعة في هذا المجال ، سواء أكان ذلك في مرجعيات النحو الاولى ومدارسه المتميزة في العراق ، أو في تجارب وعطاء عباقرة اللغة العراقيين أمثال مهدي المخزومي ومصطفى جواد وكمال ابراهيم وعبد الستار الجواري وما تلاهم من اجيال كان لهم الدور المميز في وضع اسس وقواعد اللغة العربية لمراحل دراسية متعددة. لقد كان العلّامة مصطفى جواد مؤمناً بتطور اللغة وانتقالها من حال الى حال ، وبأنها لم تزل تنفرج عن اسرار ودقائق في حروفها وكلمها وتأليف جملها ، وقواعدها وموسيقاها اللفظية والتركيبية ، والنحو عنده متطور بتطور اللغة نفسها ، كما ان نحو اللغات الحية متغير ومتطور .
ما بالنا ونحن نمتلك هذا الثراء في الاسماء والجهد اللغوي العظيم ، نظل اسرى لعقد الترضيات والمجاملات والاهواء والامزجة ، وتغير الانظمة السياسية والادارات التربوية والمستوى العقلي الذي يقود هذه الادارات .
لقد زّج مؤلفو الكتاب مئات الامثلة من نصوص القران الكريم وبحرف ناعم جداً منسوخ او مصوّر من الطبعات التي تعتمد مصحف المدينة شكلاً وخطاً وتركيباً . فاوقعت الطالب بمتاهات فك شفرات حذف الالف أو الياء والواو... وكان الاجدر باللجنة تيسير القراءة باعتماد حرف الاملاء العربي ، واعادة صف الايات الكريمة ، بوضوح وتشكيل مقروء .. وحسبي القول ان اللجنة لم تأخذ بالحسبان خلق حالة التوازن بين الامثلة ومواردها ، فكانت المبالغة لافتة للنظر في اعتماد هذا المورد .. أو اختزال اخر .. لاسباب لا ندركها ..!! لكنها بالتأكيد تتنافى والمنهج السليم في وضع المفردات.
ولتوضيح ما اسلفنا نضع الكتاب بين ايدي ذوي الخبرة،في انتظار من يعيد الحياة للمنهج الذي ينمي عقل الطالب ويطور افكاره ويتجنب التعقيد المبالغ ، الذي يدع الطالب يقضي وقتا طويلا في فهمه دون فائدة تذكرفي حياته اليومية.وهنا احاول الابتعاد عن تقييم الكتاب من ناحية فنية ،في طريقة اخراجه وتصميمه وطباعته وطريقة عرض المادة، اذ ان اغلب الكتب المطبوعة تفتقر الى ادنى مستويات القيم الجمالية وعناصر التشويق،وهي بمجموعها تمثل انتكاسة كبيرة في هذا الميدان .فالى اين يريد بنا الاساتذة الاعزاء في صولاتهم اللغوية؟
كيف يتسنى للطالب ان يحول الاسماء الموصولة الى صيغة المفردة المؤنثة والى صيغتي المثنى والجمع بنوعيهما في قول الشاعراحمد شوقي (ان اليتيم هوالذي تلقى له/أماً تخلت اوأبا مشغولا)،ومن فكرة البيت، على الطالب ان يكتب موضوعا في مسؤولية الوالدين تجاه ابنائهم.وفي المعرفة والنكرة ،هناك ملاحظة تقول: اذا اضيف الاسم الى نكرة يبقى نكرة ولايكون معرفة ويسمى نكرة متخصصة!!وعليه ان يقدم حلا للمعرف بالاضافة الذي لايعد مضافا مع انه اضيف. اما في موضوع الفعل الصحيح والمعتل، فعلى الطالب ان يرفع الراية البيضاء بالهزيمة والاستسلام، برب السماوات انا اريد ان افهم واتعلم جدوى الامثلة التالية:الفعل السالم(سالم،مهموز، مضعف)، والمهموزثلاثة اقسام والمضعف ثلاثي ورباعي ، اما الفعل المعتل فهو اربعة اقسام (مثال،اجوف، ناقص،لفيف)واللفيف مقرون ومفروق.
اساتذتنا الأجلاء ..رفقا بنا ورفقا بالطلبه اثابكم الله ، كيف طاوعتكم انفسكم في تقديم هذا التمرين مثلا : قال الشاعر: وكل امرئ يولي الجميل محبب/وكل مكان ينبت العز طيب، انتهى البيت . على الطالب ان يعبر باسلوبه الخاص عن معنى البيت،واستخراج الافعال المضارعة المرفوعة منه واعرابها اعرابا مفصلا ، واعراب الشطر الاول من البيت،وفي مثال اخريقول : اكتب سورة الماعون واستخرج الافعال المضارعة المرفوعة واذكر نوعها وعلامة اعرابها، ما معنى ، يدع اليتيم، ولايحض، ويل ، ساهون ،يراؤون، ثم ما الدروس والعبر المستخلصة من السورة ، لخصها في دفترك،هذا في في تمرين واحد فقط!!!!اترك للقارئ تأمل المشهد السادي اللغوي!!!
يروى ان الشيخ السيرافي الف كتابا سهلا في النحو سماه (الاقناع)، فصار النحو لا يحتاج الى تفسير، فضج القوم وقالوا : ان (اباسعيد) وضع النحو في المزابل،ولعل هذا القول يقودنا ايضا الى ما ذكره ابن خلدون في مقدمته عندما حذر من خرفشة النحاة (ولاتلتفتن الى خرفشة النحاة ، اهل الصناعة والاعراب، القاصرة مداركهم عن التحقيق .)
الا يكفي الطالب والدارس ان يعرف القواعد الاساسية في اللغة ويتقنها؟ ونقيه من علة مزمنة لاشفاء منها.فاللغة العربية سهلة المتناول، قريبة الى الافهام، علينا ان نجنب ابناءنا الجفاف فيها والتشعب والاعوجاج، فالفاعل مرفوع لم تتغير حركته منذ نشأة اللغة العربية ، والمفعول به منصوب ، والمضاف اليه مجرور ،والحال والتمييز منصوبان ،وكفى الله طلابنا شر التعقيد والغموض.