TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > خياراتنا وخياراتهم

خياراتنا وخياراتهم

نشر في: 14 مارس, 2015: 06:23 م

كان أرسطو يوصي تلامذته أن ينظروا الى انفسهم قبل أن يطلقوا الاحكام على الاخرين، وفي واحدة من محاضراته التي ضمنها في كتابه الشهير فن السياسة يكتب: ان اعيننا لاتستطيع أن ترى ما وراءنا، ونحن نضحك مائة مرة على انفسنا حين نضحك على جيراننا، ونحن نكره في الاخرين العيوب التي هي اشد استلفاتا للنظر في انفسنا".
ثمة عبارة دائما ما أعود الى قراءتها في كتاب صغير الحجم اسمه"داروين مترددا" حيث يخبرنا المؤلف الانكليزي دايفيد كوامن ان صاحب اصل الانواع اكتشف ان الانسان يشترك مع الحيوانات في العديد من الصفات، لكنه يختلف عنها في مسألة جوهرية هي المسؤولية عن الافعال التي يقوم بها.
تزدهر الأمم بمسؤولين وساسة يصرون على إشاعة روح المسؤولية وبسط سلطة العدالة، بينما نغرق نحن مع ساسة لا يتوقفون لحظة واحدة عن بث اللامبالاة والفوضى في نفوس الناس لو أنهم طالبوا بمحاسبة المسؤول عن الخراب.
منذ اشهر والبرلمان يعقد جلسات استماع حول احداث الموصل، الغريب والمثير في هذه الجلسات ان المسؤولين الاساسيين عن القضية يرفضون حضور جلسة الاستجواب، تحت شعار اننا لا نملك برلماناً يذهب إليه المسؤول ليقدم كشف حساب بما قدمه للناس.. وما من قضاء يحاسب المخطئ.. لا شيء سوى خطب اصحاب الفخامة والمعالي ومقربيهم الذين أضاعوا اثني عشر عاما من أعمارنا.
ليس من دواعي المقارنة أن نقول لو أنّ قضية الاستجواب هذه لو جرت في بلد آخر، لأجبر المسؤولين جميعا على تقديم استقالاتهم.. فما جرى هو فضيحة سياسية، ففي بلدان العالم المتحضرة، سنجد الإعلام يسخر من المسؤول الذي يرفض المساءلة ويخرج من البرلمان، فكيف سيتسنى له الحفاظ على أمن البلاد وأسرارها؟! كم مرة قرأنا كيف تسنى للإعلام في دول الغرب، أن يتسلى بأسرار كبار رجال الدولة، لأنهم وقعوا في أخطاء بسيطة، لذلك لم تنم أميركا ذلك اليوم حين اكتشفت أنّ وزير خارجيتها السابقة هيلاري كلينتون استخدمت حسابا خاصاً للبريد الإلكتروني أثناء الفترة التي كانت فيها على رأس الديبلوماسية الأميركية. ونال الموضوع اهتمام عدد كبير من الصحف ووسائل الاعلام التي رأت ان هذه الحادثة ربما تتسبب في عدم حصول كليتنون على دعم في حملتها للترشيح لانتخابات الرئاسة الاميركية فيما خرجت بعض الصحف بعنوان يؤكد ضعف حظوظ السيدة هيلاري في الانتخابات القادمة.
هكذا يسقط كبار الساسة، في سلاح الإهمال، لذلك قال نابليون ذات يوم لأحد جنوده: إياك والإهمال فهو أول الطريق لخسارة الحرب، لو حدثت قصة سقوط الموصل في بلد ديمقراطي حقيقي، لتحولت إلى رواية من روايات الصحافة، لكنها حصلت في زمن"شيلني واشيلك" على حد تعبير اخواننا المصريين.
تخيل كل هذه القصص، ثم حاول أن تتصور الإعلام الأميركي.. لن ينام، ولن يترك أحدا ينام.. لا أدري كم مرة تكررت صورة هيلاري، وهي تبدي اسفها، والسبب يا سادة بريد الكتروني، لا مليونان ونصف المليون نازح ولا الارقام القياسية التي وصل اليها عدد القتلى العراقيين، منذ ان فر الجنرال مهدي الغراوي من ارض المعركة، وخلع بدلته العسكرية ليتحول الى نجم تلفزيوني خلال ثلاثيته التلفزيونية الشيقة والممتعة.
يريدونك ألا تسأل.. وألا تحاول أن تعرف.. وألا تصدق بيانات المنظمات الدولية، حول تورط هذا، وتواطؤ ذاك، ولا يريدون تقديم إجابات لأسئلتك.
في الصفحة الاخيرة من مذكراتها "خيارات صعبة" تكتب كلينتون : عندما سألني الرئيس اوباما هل تفكرين في البقاء بمنصب وزير الخارجية؟
أجبته اسفة سيدي الرئيس الديمقراطية هي سباق تتابع، وقد شارف دوري النهاية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ام رشا

    أستاذ علي المحترم اذا كان التغيير قد حصل بعد مناداة جميع الكتل به ووضع كل ما حصل من مصائب وأخطاء بسبب قرارات غير مدروسة وغير حكيمة للمالكي ،اليس من حق الشعب ان يحاسب من قاد العراق إلى خزينة مفلسة وحرب لا يبدو ان لها آخر ..؟الجميع واقصد السياسيين يدينون ا

  2. ام رشا

    أستاذ علي المحترم اذا كان التغيير قد حصل بعد مناداة جميع الكتل به ووضع كل ما حصل من مصائب وأخطاء بسبب قرارات غير مدروسة وغير حكيمة للمالكي ،اليس من حق الشعب ان يحاسب من قاد العراق إلى خزينة مفلسة وحرب لا يبدو ان لها آخر ..؟الجميع واقصد السياسيين يدينون ا

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram