يمكن لإيران أن تفخر بحضارتها العريقة التي مثلت رافداً مهماً من روافد الحضارة الإنسانية، وكادت النار المجوسية أن تضيء أرجاء واسعة من بلاد ما بين النهرين والشام ومصر وفلسطين (بيت المقدس)، بالتفاعل المعرفي الإنساني، وليس عبر حروب الامبراطوريات التي تتذبذب بين صعود وانحدار، ومثل أية حضارة تألقت واندحرت، في صفحات التاريخ المسلح وفق شرعة الزمن الغابر، حيث لا مواثيق بين الحضارات ولا بين الامبراطوريات الكبيرة، فما أكثر حقب التاريخ المسلحة التي غيرت الجغرافيا وما أشقى تلك الحضارات التي لم تعد سوى ذاكرة مكتوبة على الورق، على أن أحلام الورق ليست هي نفسها أشواق الواقع، فالسياسة هي التي تجسد، اليوم، ما ازدهر أو اندحر، رغم أن ازدهار التاريخ، دائماً، لا يصمد أمام إرادوية الحاضر ومهما تألقت بلاغة الماضي لا تتفاهم مع لعثمة المعاصر وسوء التفاهم بين الأمم، خصوصاً هذه الأيام التي صارت فيها منطقة الشرق الأوسط، بفعل أسباب كثيرة، دولية وإقليمية ومحلية، مسرحاً للعنف وانفلات الحروب الطائفية، العلني منها والسري، حتى باتت الطائفة هي الدكتاتور الحاكم في أغلب دول المنطقة من الخليج العربي (الفارسي؟) حتى المحيط الأطلسي، إذ بات تنظيم إرهابي تافه مثل "داعش" على أبواب روما!
التاريخ، ثانية، يعيد تسليح نفسه لكأنه، اليوم، يكرر حروب الفرس والترك على أرض الدولة العثمانية في جنوبها العراقي، ولا يظهر من وجه الحضارة جانبه المشرق: الجوار المتعاون وتعايش الثقافات وحوار الأديان والطوائف والأقليات، إنما وجه السياسة الأسود وقد تسربل بالطائفة الأكثر سواداً، وإذا كان من حق كل دولة أن تبذل ما في وسعها من أجل صيانة مصالحها وحماية حدودها وتأمين تجارتها ودبلوماسيتها ومجمل نشاطاتها الدولية، ضمن شرعة الأمم المتحدة ومبادئ حسن الجوار والتكامل الثنائي، فإن مبدأ التوسع الآيديولوجي، خارج سياقات الأعراف والتقاليد الدولية، هو البيئة المثالية الممهدة للحرب، وهذا ما فعلته إيران في أعقاب الحرب العراقية الإيرانية حتى اليوم، وهي تزرع خلاياها الطائفية في أرض شاسعة تمتد من بغداد حتى الرباط.. على أن حرب صدام حسين مع إيران لم تكن الدريئة المؤهلة لصد التوسع الأيراني، بل مهدت لانتقام لاحق عنوانه تصريحات يونسي العدوانية.
تصريحات مستشار الرئيس الإيراني روحاني علي يونسي تعبير صارخ عن استعادة التاريخ لسلاحه الخطير واعتداء أخلاقي وسياسي لا يمكن قبوله، بل الأخطر: اعتراف إيراني بالتوسع الماثل في العراق وصناعة رسمية إيرانية لذرائع شديدة اللهجة تمنح، كهدية مجانية، لمسلمين آخرين بطبعتهم الإرهابية (داعش) وحلفائهم ومموليهم والمصفقين لهم في عواصم الجوار العراقي وأبعد من هذا الجوار أيضاً.
هل تعاني إيران، اليوم، من شيزوفرينيا الزرادشتية والإسلام؟
الشيزوفرينيا أو الفصام "كلام غير مترابط (سلطة الحديث) والخوف من الآخر، الكاره، وهم الاضطهاد".
وفي السياسة تأخذ الشيزوفرينيا شكلاً عنصرياً، فاشياً، يزدري القوميات الأخرى تأسيساً على المفهوم العلمي.
الأدب الفارسي، بجمله، أدب أخوي ورقيق ومتحضر، وعلى حساب قراءاتي الشخصية، وجدت (وربما يشاركني كثيرون) أن الأدب الفارسي، بقديمه، وحديثه، أقرب لحساسيتنا العراقية والعربية من الأدب العثماني/ التركي. بينما يصعب علينا، نحن القراء العرب أن نتقبل "حقيقة" أن يكون سيبويه أو الرازي أو الزمخشري أو أبو نواس أو أن صاحب "الأغاني" أبو الفرج الأصفهاني، حتى لو ولد في أصفهان، فإنه نشأ ببغداد، فرساً أو من أصول فارسية، ، وباختصار هو "شعور ثقافي" أكثر مما هو بحث في السلالات والأصول، ويبقى الوجهان: الوجه المدني للتاريخ ثقافياً ووجهه المسلح، أيضاً، الذي كشر عنه يونسي بشكل مهين.
العراق عاصمة إيران.. التاريخ يتسلح مجدداً
[post-views]
نشر في: 16 مارس, 2015: 09:01 م