مناجيات مع كازانتاكيس
2
ولأنك جمعت في دمك بين النار والتراب- بين أسلافك القراصنة الدمويين من جهة والدك واجدادك المزارعين المنكبين على الارض والبذور في انتظار المطر من جهة امك - كيف انعكس هذا المزيج المتناقض على واجباتك لعبور الهاوية ؟؟
-كان واجبي أن اوفق بين هذين المتناقضين، أن اسحب الظلمة السلفية من اعماقي وأحولها بكل طاقتي إلى ضوء ولهذا ساحدثك عن الواجب الثاني الذي ينبغي للانسان أن يهيئ نفسه له كي ينجو قليلا : ان يعبر الهوة المظلمة إلى النور ،سيدتي تذكرين ان الواجب الاول هو ان نؤمن بأن مانراه هو محض وهم من صنع اذهاننا .
أجل ان لانصدق مانشم ونسمع ونرى لأنه من ابتداع اذهاننا.
-نعم فداخل القيود التي تكبلنا يكون العقل هو الملك ولاتوجد قوة اخرى تنافسه في مملكته، فاذا عرفنا القيود وصارعناها واخضعناها ،عندئذ نجبرها على ان تصبح أداة لعقولنا،انظري إلي انا كائن بريّ ابتهج بالنباتات والحيوانات والانسان والالهة واعتبرها اولادي فيجتمع الكون كله حولي ويلحق بي .
الاتشعر بـأنك تفرط في اللعب بهذا؟
-اجل اشعر بعبثية اللعبةالتي بلا نهاية فأقيد نفسي إلى عجلة الضرورة الملزمة، فيدور الكون حولي مرة أخرى ،حياتنا كلها لعبة صراع.
كيف بوسعك السيطرة على هذه التحولات الذهنية وعلاقتك بأشياء الحياة؟
- بالانضباط ،الانضباط هو أعلى أشكال الفضيلة ، انا كائن منضبط وإلا ماكنت لأنجز ما انجزت مع انني كنت اتوسل الى الله ان يمد في عمري عشر سنوات أخرى فلدي الكثير مما لم أقله بعد. بالإنضباط تستطيعين موازنة الرغبة والقوة فتثمر جهودك.
هذا كله يقع في مدى الواجب الأول ،فما هو الواجب الثاني الذي تراه مهما لنعبر الهاوية؟
- أن لا أتقبل الحدود ،وأتألم وأن لاتستحوذ المظاهر عليّ فأختنق ، الواجب الثاني هو ان انزف في هذا الالم وأعيشه بعمق ، العقل صبور وبوسعه المناورة ويحب اللعب والمخاتلة، اما القلب فإنه يغدو متوحشا ولايتنازل للمشاركة باللعب، إنه يندفع بقوة ويمزق أغلال الضرورة،
وماذا تصارع في هذه الحالة والقلب نافر متمرد؟
- أصارع لأخطو وراء الكائن اللامرئي الغارق في الوحل فيتعالى صوت من أعماقي : احفر فماذا ترى ؟؟ أرد : ارى رجالا و طيورا وأشجارا وأحجارا.
احفر أعمق فماذا تشاهد؟ أشاهد افكارا وأحلاما ووميض ضوء..
احفر اكثر عمقا فماذا تجد ؟؟ لاأرى شيئا ، ليل ساكن ثقيل كأنه الموت ، لعله الموت.
احفر عميقا اكثر واكثر، فماذا امامك ؟ لا استطيع اختراق الحاجز المظلم واسمع اصواتا وبكاء ،اسمع رفيف اجنحة على الضفة الاخرى ، نحيبا ورفرفة اجنحة .
لا تبكِ ، لاتبكِ ، ليست على الضفة الأخرى : الأصوات والأجنحة هي قلبك..
إذن أيها الإغريقي ،تقول أن القلب هو وسيلتنا لمعرفة انفسنا والعالم؟
- اجل هو جوهرنا المقاتل الذي لايستسلم أبدا.
هل نقصي العقل نهائيا وهو ينادينا ويتساءل لماذا نبدد انفسنا وحياتنا في ملاحقة المستحيل؟ لابد ان نعترف بحدود امكانات الانسان ونستجيب للعقل.
- لا ياسيدتي ، فثمة صوت آخر في اعماقنا، انه القوة السادسة ، صوت يقاوم ويصرخ :لا، لا , لاتعترف بالحدود ،دمّرْ الحدود والعوائق ،انكر ماتراه كل لحظة وقل : الموت غير موجود وواجبي أن اعتلي المسرح وأتدخل بمجريات العالم.
من أنت ؟؟
-انا الدرويش صانع العجائب الذي يجلس ثابتا على مفترق طرق الحواس ويراقب العالم وهو يولد ويفنى....
يتبع