قد يكون المطر الذي هطل بغزارة خلال اليومين الماضيين من عطّلني عن شراء مواد صينية النيروز هذا العام، (كليجة وبرتقال وخس ومكسرات وو) وقد تكون الحفر والاطيان وصعوبة المواصلات بين البيت والمدينة حائلا مضافا، لكن الاكيد هو أن المزاج العام، لم يكن مشجعاً لكي نحتفل بأجمل أعياد البصرة، غير أن الاحتفال بالحياة يأتي من الاحتفال بالعيد. عيد النيروز، الكسلة، عيد الشجرة، عيد رأس السنة الفارسية، عيد الربيع، لم يكن للبصريين عيد بهذا العدد من التسميات، التي لو أمعنا النظر فيها طويلا لوجدنا أن اهل المدينة الجنوبية هذه من أشد الناس تعلقا بالحياة، أكثرهم حرصا على بلوغ البهجة وإدامة الفرح.
في اتفاق مبهم لتكرار السعادة، شبه مطلق بين الطبيعة والناس، أو هو طود من اصرار على استرجاع الجمال، أو لنقل هو نوع من عقد رومانسي بين سكان المدينة الجميلة وبين النهر، شط العرب الخالد، حيث يبلغ المد أعلى مستوى فيه، في يوم الـ 21 من آذار، ظل قائما منذ مئات السنوات. الاشجار تورق في البصرة قبل غيرها من مدن العراق والمنطقة، بما فيها طهران والمدن الجبيلية هناك، كذلك يكون القمر في اجمل حلة له، فهو بدر في غير اوانه. الفراشات منشغلة بفرحها، تنتقل بين وردة وأخرى متعجلة الزمن، والتوت الذي يحمرُّ، متعجلا الالوان والطعوم، الرمان أيضاً تكوّن جلناره، أحمر نارياً، رائحة حبوب الطلع، الطيور البيض التي لبت النداء الصامت، وجاءت تحط على اهلة المنائر وصلبان الكنائس. انا لا اتحدث عن خيال ووهم أو شيء من نستولوجيا، أستعيدها مرة كل عام، إنما أتحدث بلسان ما حولي، ما أجده بين يدي اللحظة هذه.
قبل ساعة من كتابة المادة هذه، كنت تفحصت براعم التوت الصغيرة التي جلبتها من بستان جاري، طعّمتها قبل نحو من شهر، لشجرة توت لم تعجبني ثمارها، كنت أريد تحسين نوعها. البراعم المسكينة التي جلبتها ظلت صامتة الايام الطويلة هذه، أخرسها البرد أو لعلها استشعرت بالغربة، اليوم كانت سعادتي غامرة، لقد تفتقت عن براعم صغيرة، تفلتت من الغصن القديم، وانبجست عن وريقات صغيرة، وريقات تشكلت خضراء مثل كف طفل ولد اللحظة ،يا إلاهي ، لا أستطيع كتمان بهجتي، من لا يشعر بالطبيعة وهي تندفع مستقبلة الكون، لا يتحسس المعنى الذي أتحدث عنه.
اليوم، وقبل ان تهبط الشمس من مغربها، سأحمل بعضي وأتجاوز الحفر والوحول، وسأجلب الخس والبرتقال والمكسرات وستعمل زوجتي ومعها كناتها على تلوين البيض ومقابلة الفرن حتى تنضج صينية الكليجة، هو عيد النيروز. أليس كذلك؟
يقول صاحبي بان الحفلة بالعيد الربيعي ستكون في المساء، ساعة يجتمع الصحب النجب، خلان الصفاء والوفاء، صاحبي الذي اشترى البرتقال والخس والمكسرات وكل ما يليق بيوم بهيج كهذا، سأحمل ما بدا لنا ربيعا وبهجة وسعادات إلى الكورنيش، على شط العرب، هناك حيث لا أحد يجرؤ على فتح (البوكس كولر)، أو صندوق حفظ المواد الطازجة، الذي سنملأه جعة هولندية وأوزو وتكرداغ ووو.
عيد النيروز من اقصى الجنوب
[post-views]
نشر في: 21 مارس, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
ابو اثير
أنشاء الله تبقى البصرة الحالمة الوديعة خضرة ناضرة بأهلها الطيبين الوادعين وترجع لأيامها المزهوة بألق والحب والغناء والفن والشعر والرياضة والثقافة والمسارح والمعارض والمهرجانات الفنية والثقافية والشعرية ويعود العراقيون لقضاء شهر العسل فيها والتمتع بطيبتها
ابو اثير
أنشاء الله تبقى البصرة الحالمة الوديعة خضرة ناضرة بأهلها الطيبين الوادعين وترجع لأيامها المزهوة بألق والحب والغناء والفن والشعر والرياضة والثقافة والمسارح والمعارض والمهرجانات الفنية والثقافية والشعرية ويعود العراقيون لقضاء شهر العسل فيها والتمتع بطيبتها