أصبحت قوة المنتخبات في العالم وبلوغها مراحل متقدمة من العمل الفني الاحترافي تمثل خلاصة سياسة ومنهج يعتمدان المراقبة والإجراء لديمومة تلك القوة، ولعل أهم عنصر يشغل عمل اتحادات الكرة في العالم هو سلوك اللاعب خارج وداخل الملعب وضبطه طوال فترة تمثيله المنتخب الوطني ويصبح اتحاد الكرة والمدير الفني مسؤولين اضافة الى ناديه عن أي تصرّف يقوم به حرصاً من الاطراف الثلاثة على سمعة المنتخب وتنبيه اللاعب نفسه من تقمّص دور المغرور الذي يدفعه للخروج عن الطاعة التربوية والتفرّد في التصرّف بعيداً عن زملائه.
ومنذ سنين طوال، نبَّهت الصحافة الرياضية مراراً عن وجود حالات شاذة في صفوف المنتخب الوطني يُخشى أن تصبح أمراً دارجاً ما لم تكبح جماح اصحابها الذين كلما تقدموا في السنّ يرجعون خطوتين الى الوراء على صعيد التجربة والدروس، يرتكبون أخطاءً شنيعة يأنف عنها حتى اللاعب الشاب قليل الخبرة، ولذلك بقيت تلك الحالات سائدة من دون حل حاسم بسبب خضوع المدرب العراقي دون مدربي المنطقة لتأثير العاطفة أكثر من اعتداده بمنطق العقل ليتخذ قراراً انضباطياً يحدّ من خروج لاعب ما عن طاعة النظام، فتراه يسامح لاعباً كبيراً عن خطأ ينبغي ألا يمرّ بلا عقاب ويتناسى انعكاس تصرفه على بقية اللاعبين!
كنا ولم نزل من أشد المتفائلين والمباركين لتسمية اتحاد كرة القدم للمدير الفني أكرم سلمان لامتلاكه الخبرة الطويلة في الملاعب وتعامله بذكاء وحنكة مع مباريات التصفيات بنظام الذهاب والإياب واسلوبه الخاص في تحديد علاقة المدرب باللاعب بمثابة الأب الموجّه والناصح والمحاسِب، وسبق أن تعايش مع لاعبين من مختلف الأجيال في معسكرات خارجية ونجح في ارساء قواعد اخلاقية تحسس اللاعب نفسه أنه ليس مُلكاً لعائلته فحسب ، بل ملكاً للوطن الذي وضع ثقته فيه ليكون بمستوى التمثيل المشرّف، فمفهوم المدرب ( الأب ) ليس سهلاً إجادته من جميع المدربين، وبالتالي فالخيار القاطع لتسمية سلمان جاءت في الوقت المناسب خاصة ان اسلافه حكيم شاكر وزيكو وبتروفيتش وسيدكا وأولسن وبورا وفييرا وعدنان حمد امتلكوا أسرار النجاح مع لاعبي منتخبنا في تشكيلاته المختلفة واخفقوا في بعض المناسبات لكن علاقتهم باللاعبين وسِمَت بطابع فني بحت باستثناءات قليلة بالنسبة لفييرا الذي تمكن من كسب ودّ أبطال آسيا 2007 في ملحمة التحدي بجاكرتا لكنهم نفروا منه بالمطلق في خليجي مسقط 2009 بعدما فشل في توحيد 23 لاعباً برؤية تدريبية وسلوكية خاصتين وخرجوا بقمصان مبتلة بدموع ذل الخسارة امام البحرين (1-3) وعُمان (0-4) قبل ان يقهرهم فييرا بمهزلته الفنية بُعيد غيابه عن لقاء الكويت الذي انتهى بالتعادل (1-1) تاركاً القيادة للمدرب رحيم حميد.
قبل ايام كنا نترقب أن يتعامل الكابتن سلمان بحزم مبكراً ويبدأ بإشهار الكارت الاصفر في الأقل بوجه من يتعمّد تسفيه حضوره الى الوحدات التدريبية من دون ان يضع اي اعتبار لقيمة التدريب لأجل مهمة وطنية بينما بقية اللاعبين التحقوا برغبة كبيرة ليظهروا جاهزيتهم امام وسائل الاعلام، ففي الوقت الذي قطع بعض المحترفين آلاف الكيلومترات ما بعد انتهاء مبارياتهم في الدوريات الأوروبية حرصاً منهم على الوصول الى بغداد والانخراط في تجمّع المنتخب بنادي الكرخ لـ48 ساعة فقط قبل ان يتوجهوا الى الامارات صباح أمس، تهاون آخرون عن الحضور من دون عذر شرعي ولم يوضح المتحدث الرسمي للمنتخب كامل زغير اسباب تخلف الكابتن يونس محمود المتواجد في العاصمة الاردنية عمّان وغير المرتبط بنادٍ بعد فشله في الحصول على بطاقته من نادي الأهلي السعودي بالرغم من مرور أكثر من عام على طلاقه منه بسبب (طلب مدرب نادي الأهلي البرتغالي فيتور بيريرا الاستغناء عن مهاجمي الفريق يونس والبرازيلي فيكتور سيموس لادعائهما الإصابة بعد أية مباراة للفريق وفي التدريبات) على ذمة الاعلام السعودي ، وكذلك غياب ضرغام اسماعيل المتواجد في مدينة العمارة، والغريب أن الأخير سافر مع المنتخب أمس الأحد أي في اليوم نفسه الذي نشرت (المدى) تصريحاً للمدير الإداري باسل كوركيس يؤكد استبعاده عن مرافقة الأسود مع أربعة لاعبين آخرين بتوجيه من المدرب!!
وقفة فنية تحتاج بكل تأكيد الى موقف صارم من الكابتن سلمان الذي وعد الإعلام والجمهور بأنه ماضٍ لصناعة منتخب يليق مستواه وحضوره ونتائجه بسمعة العراق، ولن نكتفي بذلك، بل نريد منتخباً يخضع الجميع فيه الى مبدأ العقاب والثواب ويترفع عن دلال البعض مهما كان شأنهم ليسود العدل بين الأسود.
أسود تحت المراقبة !
[post-views]
نشر في: 22 مارس, 2015: 09:01 م