أضحى التخلص من النفايات في المدن العراقية معضلة حقيقية تتفاقم يوما بعد يوم وأسباب ذلك كثيرة منها ضعف التخطيط العلمي والرؤية المستقبلية لحجم خطورة تلك المشكلة لاسيما وان معظم البلديات تفتقر الى جهد هندسي متكامل وخطط تنسيقية مع الحكومات المحلية فضلا عن ضعف الوعي البيئي لدى المواطن العراقي  وتجاهل دوره المحوري في الأمر .

 

ملايين الدولارات

الدكتور عبدالجبار البيضاني من قسم الهندسة البيئية في جامعة بابل قال: إن تحلل النفايات يؤدي الى تسرب ما تحتويه من سموم الى مصادر المياه سواء أكانت جوفية أم سطحية و تلوث التربة بصورة تؤثر على دورة الطعام الى جانب تلوث مياه الشرب وبالتالي تمثل خطراً على سلامة الإنسان ، مبيناً ان النفايات تبعث غازات ملوثة للجو تؤدي الى مخاطر كثيرة على الإنسان والنبات والمخلوقات الحية، إذ تؤثر على التنفس هذا الى جانب الروائح الكريهة ، كما انها تؤذي النظر لما تسببه اكوام النفايات من طغيان على المناظر الطبيعية وتشويه للقيمة الجمالية التي يحرص عليها الإنسان. 

وأضاف البيضاني ان خسائر الدول العربية جراء عدم اعادة تدوير النفايات بإشارة الى دراسة اقتصادية صادرة عن جامعة الدول العربية في القاهرة بنحو (5) مليارات دولار سنويا موضحة ان كمية المخلفات تبلغ نحو (6ر89) مليون طن سنويا وتكفي لاستخراج نحو ( 3ر14) طن ورق قيمتها ملياران و145 مليون دولار وانتاج ( 8ر1) مليون طن حديد خردة بقيمة 135 مليون دولار إضافة لنحو 75 الف طن بلاستك قيمتها 4ر1 مليار دولار فضلا عن 202 مليون طن قمامة بقيمة 110 ملايين دولار وكذا انتاج كميات ضخمة من الاسمدة العضوية والمنتجات الاخرى بقيمة تتجاوز ملياراً و 225 مليون دولار. مسترسلا: وأضافت الدراسة أن صناعة تدوير المخلفات باتت من اهم الصناعات الواعدة في العالم حيث تستحوذ على 28% من اجمالي الاستثمارات الصناعية في الولايات المتحدة الاميركية و 23% في بريطانيا و 35% في المانيا. 

واشار البيضاني الى ان العمليات المرتبطة بإعادة التدوير تقلل من الحاجة الى ضرورة استنزاف المزيد من المصادر الطبيعية لاستخراج مواد أولية جديدة مثل: قطع الاشجار لصناعة الورق ، كما ان كل طن من البلاستك المسترجع يمكننا من اقتصاد 700 كغم من البترول الخام. مؤكداً على ان استرجاع (ا كغم) من الألمنيوم يوفر لنا نحو 8 كغم من مادة البوكسيت و (4 كغم) من المواد الكيمياوية و 14 كيلو واط/ ساعة من الكهرباء. وكل طن من الكارتون المسترجع يمكننا من توفير 5ر2 طن من خشب الغابات، وكل ورقة مسترجعة تقتصد لنا (ا لتر) من الماء ,5ر2 واط/ ساعة من الكهرباء و 15 غرام من الخشب.

وشدد د. عبدالجبار البيضاني على ان اعادة تصنيع البلاستك توفر طاقة ضعف تلك الطاقة اللازمة لحرقها في محارق النفايات. وخطورة البلاستك انه يحتاج الى 100-400 سنة ليفتت في المردمة (موقع الطمر). وقناني البلاستك تحتاج 1000 سنة لتبدأ عملية التحلل عندما تدفن حيث نستخدم حاليا البلاستك اكثر من 20 مرة مما كان يستهلك قبل 20 سنة .

فيما تشير الباحثة نور علاء عبدالحسين الى أسباب انتشار النفايات منها سرعة التقدم الصناعي وارتفاع كمية المخلفات الصناعية، وعدم التمكن من التخلص منها بالسرعة ذاتها، واعتماد طرق غير سليمة في التخلص من النفايات مثل الحرق، ورمي النفايات في الأنهار وعدم وجود تحرك فعال للحدّ من هذه المشكلة، فالتحركات قائمة على نشاطات واجتهادات فردية على مستويات ضئيلة ومناطق محددة. 

مضيفة: فضلا عن غياب القوانين الصارمة التي تمنع رمي النفايات وتعاقب المخالفين بدفع الغرامات أو الحبس وعدم إمكانية استيعاب الكم الهائل من النفايات في مكب واحد، والبطء في التخلص من النفايات لعدم وجود فعاليات كافية، فالبلدات لا تقوم بجمع النفايات إلاّ مرة في الأسبوع في بعض المناطق، وإهمال المواطنين وعدم إدراكهم لحجم المشكلة البيئية الناتجة عن النفايات.

بُنى تحتية قاصرة

فيما أوضح المهندس عمار رضا من بلدية الحلة واقع الحال لإدارة الفضلات الصلبة في مدينة الحلة حيث اشار الى الأسلوب المستخدم حاليا في التخلص من الفضلات وهو المكبات المفتوحة لعدم القدرة على طمرها بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية. واشار الى عدد العمال الذين يعملون حاليا في بلدية الحلة 985 عامل تنظيف موزعين على أحياء المدينة . مؤكداً ان المدينة بحاجة الى اكثر من 1500 عامل لتغطية خدمات البلدية . (مصدر في بلدية الحلة ذكر ان البلدية تنفق سنويا اكثر من 4 مليارات و65 مليون دينار اجور لعمال التنظيف) .

ويتابع المهندس رضا حديثه: ان عدد الآليات (الكابسة) العاملة هو87 وحاجة البلدية الفعلية الى 140 كابسة ، و موقع طمر صحي واحد يقع في ناحية النيل . اما موقع الطمر الصحي في الكفل فيعاني من مشاكل منها ارتفاع مناسيب المياه الجوفية . وذكر المهندس عمار انه تم توزيع اكياس الفضلات في ارجاء مدينة الحلة كمية تساوي ( 10 ) طن والمتبقي منها اثنان ونصف طن . و( 1800 ) حاوية و( 78 ) حاوية من حاويات الحديد المغلونة و( 2000 ) حاوية من حاويات البلاستك سعة ( 100 ) لتر .

وتشير المصادر البلدية الى ان كمية الفضلات الصلبة للشخص الواحد في مدينة الحلة تصل الى (1 كغم) للفرد الواحد في اليوم, أي 365 كغم للفرد في السنة وبالتالي فان مدينة الحلة تولد تقريبا 481 طناً من الفضلات الصلبة المنزلية يوميا مضافا الى هذا فضلات الأسواق والمحال والمنشآت الصناعية وورش التصليح وتنظيف الشوارع والمرافق الاخرى ليصل الرقم الى 550 طناً يوميا . مشيرا في ذلك الى ان حي الثورة وما جاوره من المناطق يفرز اكثر من 30 طناً يوميا من الفضلات وسوق الحلة اكثر من 20 طناً في اليوم في حين يتم رفع اكثر من 37 الف طن من الانقاض شهريا من مدينة الحلة . مؤكداً ان معظم القوانين الخاصة بالخدمات البلدية غير مفعـَّلة بسبب التدخلات السياسية !

البلدية ضد البيئة

انتقدت المهندسة وئام عباس من بيئة بابل بلدية الحلة لعدم التزامها بشراء اكياس صديقة للبيئة التي ينتجها معمل نسيج الحلة ومن مميزاتها انها سريعة التحلل والاندثار عكس الاكياس البلاستيكية العادية التي تحتاج الى 100 عام لكي تتحلل وعزت وئام الى ان الفرق المادي السبب في عزوف البلدية عن شرائها .

اما المهندس حسن كسار كاظم فقد اتهم الحكومة المحلية بتأخر انجاز مشروع تدوير النفايات في المحافظة على الرغم من تعيين موقعين في الاسكندرية والكفل وحصول موافقة بيئية في ذلك . ويؤكد ذلك الدكتور أثير سايب من جامعة القاسم الخضراء ان مشروع انشاء معمل للتدوير النفايات في المحافظة من قبل شركة ألمانية أُجهض قبل عامين بسبب معارضة بعض السياسيين والأكادميين في المحافظة . 

ويؤكد مصدر في بلدية الحلة انه تم الاتفاق مؤخراً على مشروع إنشاء معمل لفرز وتدوير النفايات في بابل بكلفة اكثر من 50 مليار دينار عراقي وان العمل جارٍ في إعداد التصاميم .

ودعا المهندس كريم حسين من بيئة بابل جامعة بابل الى تبني حملة لتوعية العوائل الحلية من خلال نشر الوعي البيئي بين طلبة الجامعة وتلاميذ المدارس .