TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البصرة عاصمة الثقافة العربية!!!

البصرة عاصمة الثقافة العربية!!!

نشر في: 24 مارس, 2015: 09:01 م

يتصل بي مدير البيت الثقافي في البصرة الاستاذ عبد الحق المظفر ليعلمني بان وزير الثقافة ووكلاءه في زيارة خاصة للبصرة، فيخطر في بالي ان الزيارة تأتي تحضيرا للاحتفال بالبصرة عاصمة الثقافة العربية، لذا وددت ان ادبج لهم الورقة هذه علَّ من يقرأها، وزيرا كان او وكيلا أقدم او مديرا عاما، يتنبه إلى ما أشرنا له في اكثر من مادة وفي اكثر من وسيلة إعلامية، بأننا نشعر معهم بأن مسؤوليتنا مشتركة، وان مشروع البصرة عاصمة الثقافة العربية، أكبر من أن تقوم به جهة بعينها. هو مسؤولية وطنية كبيرة.
ولأننا لا نملك حاضرا مشرفا، ذهبنا الى خمسينيات القرن الماضي، حين زار الملك فيصل الثاني قضاء ابي الخصيب، ووقف الشاعر والمربي البصري، الخصيبي المرحوم عبد الباقي لفته الطه بين يديه منشدا قصيدته :(الشطُ يهزجُ والنسائمُ تلعبُ والنخلُ في الدوحِ الاثيلِ مطربُ والروض سُربل بالاقاحِ منورا والبلبل المسحور فيهِ يخطبُ وروافد الانهار عين فجرت فيها اللجين مناهلُ لا تنضبُ) ووو
ومن خلال الابيات البسيطة هذه نجد أن الشاعر لم يأت بجديد في تأثيث قصيدته ، فالشط يهزج، أيما، نعم يهزج بماء حلو عذب، والنسائم بكل تأكيد، تلعب بالنخل، والدوح الحمام مطرب يغني فرحاً، كذلك توصيف الروض وقد سربل بالاقاحي ومثل ذلك صورة البلبل والانهار العيون التي تفجرت عن ماء لجين لا ينضب. لقد ذهب ذلك كله، خلاص، لم يعد له وجود في البصرة، اختفى كل شيء.
يقول صديقي في الشعر والصحافة والمواطنة ناصر الحجاج بأن إيران تنتج ربع ما ينتجه العالم من الرمان، فأقول وهي تنتج معظم ما تحتاجه منطقة الخليج والعراق من الطماطم والخيار والباذنجان والبرتقال والتفاح والجبن بأنواعه وووو. وهي الاول في العالم في تعليب الفواكه المجففة، وهي بلد سياحي بامتياز.
وفي نابولي بإيطاليا قدّم لنا نادل المطعم قطعة صغيرة من جبن نادر لديهم، مع ما قدّم على المائدة، لكنَّ مضيفنا أعلمنا بان إدارة المطعم سترفض طلبنا لو طلبنا قطعة أخرى، فالجبن هذا فاخر جداً، ثمين وغير متاح للجميع. وفي كل مكان بالعالم هنالك من يتحدث عن بضائع ومنتجات نادرة حرص أصحابها على تداولها والعناية بها ومن ثم تسويقها بوصفها هوية خاصة، تمثل لديهم موروثا ما، يتقدم سمعة المدينة .
وفي متاحف العالم يمنعون لمس وتصوير المقتنيات المعروضة، وفي أماكن أخرى يمنعون الكلام بالصوت العالي ذلك لأن معروضات المتحف تتلف باللمس والتصوير والصوت العالي، بحسب تعبيرهم وهنالك، في كثير من مدن العالم المتمدن هارموني يجمع ويوحّد ما بين صورة الحياة العامة في الشارع والسوق وبين معروضات المتحف الخاص بالمدينة. هناك حرص شعبي ورسمي على إدامة صور المدن التاريخية في أذهان السكان والسياح معا، فالمتحف صورة واقعية والحياة صورة متحفية في آن. ليس في الأمر بطر ولا تزجية وقت، إنما تلك مسؤولية إنسانية قبل أن تكون وطنية. لم تعد قرية ما، أي قرية في اقصى العالم خاصة أحد من الناس، بلاد ما، هي إرث وملك انسانيان.
بالأمس مررت بقبة مرقد الشيخ محمد أبي الجوزي، التي على الطريق بين البصرة وأبي الخصيب، وقد أحيطت بعشرات العشوائيات، بيوت ومحال، وقد امحت القبة التي كانت الى جوار المرقد، سويت بالأرض وبنى احد المتجاوزين منزله عليها، اليوم يقرض جيرانه جدار القبة الباقية، على امل سقوطها لتتحول الى منزل عشوائي آخر. وقبل أكثر من خمسين سنة أزيلت عشرات التلال الصغيرة في البصرة وابي الخصيب بخاصة، تلال الملح والسباخ التي جمعها وكومها أصحاب علي بن محمد(صاحب الزنج) اولئك المجهولون الذين ثاروا على ظالميهم في الواقعة المعروفة، أزيلت التلال وازيل معها مئات الآلاف من القصص والحكايات.
تبحث في الانهر وأقاصي البساتين وفي ما تبقى من مخازن نهير الليل والخندق عن سفينة واحدة(مهيلة) من السفن التي ظلت لمئات السنين تنقل آلاف الأطنان من التمر بين البصرة والهند وعدن وسواحل الجزر البعيدة فلا تجد واحدة، تدخل مخازن سكة الحديد ومثل ذلك معامل الطابوق وبيوت الطبقة الراقية والمدراس القديمة والمؤسسات العريقة فلا تجد مما في بالك شيئا. نحن أمة أضاعت ماضيها مثلما ضاع حاضرها ومستقبلها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Anonymous

    رحمك الله يا جدي عبدالباقي لفتة كان شاعر فذ يحفظ شعره ويتغنى به حتى آخر أيام حياته وقد ناهز ال ٩٧ عاما

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram