TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "اختلاق" سنّة العراق

"اختلاق" سنّة العراق

نشر في: 25 مارس, 2015: 09:01 م

انزعج اصدقاء عرب لكثرة استخدامي تعبير "سنّة" العراق خلال حديث مطول عن اوضاعنا، وكانوا على حق، اذ من الافضل ان نستخدم اسماء احزاب وحركات وكتل نيابية، ولا داعي لتكريس الاوصاف المذهبية. غير ان الامر جعلني انتبه الى ان القوى السنية في العراق ليس لديها اسماء ثابتة لاحزابها وكتلها. تغيير مستمر في الاسماء يعكس الرمال المتحركة تحت ارجلها، بينما يحتفظ الاكراد والشيعة وحتى المسيحيون باسماء ثابتة نسبيا لكتلهم واحزابهم وقادتهم. ولذلك لم يصبح بامكاننا ان نشير الى القوى السنية باسماء احزابها، ربما باستثناء الحزب الاسلامي الذي ذاب ايضا في "العراقية" مرة وفي "متحدون" اخرى، وظهر له تمثيل في قوائم فرعية، ثم عاد مع الجميع في اتحاد القوى (او تحالف القوى)، وسبق ان ذاب في جبهة التوافق، وهكذا.
وهذا يعود لسببين، الاول ان القوى السنية ظلت طوال سنين تحاول اختبار ما تريد، ولم تصل الى نتيجة نهائية بعد كما احسب. ولذلك راحت تخوض التجارب وتستبدل الاطر والصياغات. اما السبب الثاني فيعود للخصوم الذين عملوا على تمزيق الكتل السنية بطرق كثيرة، ونتيجة لتمزيقنا للاطراف السنية القوية، ظهرت داعش كي "تثأر" للسنة، لكنها راحت تثأر من السنة الذين تتذكر انهم سبق ان طردوا تنظيم القاعدة. وبالتالي فقد عملت كل الاطراف تقريبا على عدم امتلاك السنة اوصافا سياسية وحزبية ثابتة، واطالة فترتهم التجريبية، وهو امر عاد بالويلات على كل الجماعات السياسية في بلادنا، اذ لا استقرار للعراق دون استقرار اركانه الاجتماعية الرئيسة.
اما اليوم فان ما يروج بين الطبقة السياسية او جزء منها، يتركز على ضرورة "العثور على قادة جدد للسنة" لان الحاليين "غير قادرين على القيادة"! وكأن الامر يقتصر على السنة، وان باقي القيادات متكاملة الخبرة والجاهزية، ومعصومة عن الخطايا والاخطاء. وهكذا تسمع كل يوم عن ضرورة استبدال النجيفي ونسيان العيساوي، لان الجمهور السني لا يثق بهم، وكأن الجمهور الشيعي يثق بما يكفي بقياداته التي ينتخبها في كل دورة تشريعية ثم يردد انه "نادم".
ولا غبار على اصل الفكرة طالما اننا نعيش "تداولا سلميا جدا" للسلطة، لكن من الذي يمتلك الوصاية على هذا المكون كي يتحكم بممثليه؟ وايضا، من الذي سيحدد البديل سوى الانتخابات، وهل سننتظر حتى الانتخابات المقبلة كي نختبر رأي الجمهور السني، وهل سيعني هذا تأجيل الاتفاقات الكبيرة حتى الوثوق بان جمهور السنة يدعم قادته الحاليين؟ وهل ستكون الانتخابات ممكنة اذا بقينا نؤجل التسويات مع جماعة سياسية كبرى في مثل هذه الظروف؟
اما المفارقة الكبرى فهي ان معظم من ألتقيهم من الساسة الشيعة، يعترفون ان القيادي السني الفلاني يتمتع ببراغماتية وذكاء، وهو قدم تضحيات في سبيل الشرعية والدستور، لكن يجب نسيانه لان الجمهور الشيعي لا يحبه! ولا ادري لماذا نفترض ان الجمهور السني يحب قادتنا الشيعة؟
ان الامر مليء بمفارقات عديدة، لكن الواضح لدي ان بعض شيعتنا يريدون التخلص من مفاوضين سنة اقوياء تراكمت لديهم بعض الخبرة، كي يأتوا ببديل سني مصطنع ومختلق، عشائري في الغالب اي لم يسبق له ان مارس السياسة، على افتراض ان من السهل التحكم بقيادات محلية كشيوخ العشائر، بينما يصعب عليك التعامل مع اثيل النجيفي ورافع العيساوي مثلا.
لكن علينا ان نتذكر ان كثيرا من الانظمة حاولت "اختلاق" قادة للاكراد وللشيعة وللايرلنديين والاسكتلنديين وغيرهم طوال عقود، لفرضهم بديلا عن مركز التأثير الحقيقي، لكن العملية فشلت، بالضبط كما فشل المالكي مع نموذج الوزير سعدون الدليمي. وقد سمعت من ابرز قادة البلاد ايام المالكي، ان اي اتفاق مع "ضعفاء السنة" لن يكون مجديا، ولابد من التفاوض مع الاقوياء. اما في هذه الايام فاننا نسمع "همهمة" اخرى، وليت العارفين يشرحون لنا المقصود ويفسرون جملة المفارقات التي تواجه محاولة "اختلاق" نموذج سني جديد!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram