TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ايران والعرب و"إذلال" التاريخ

ايران والعرب و"إذلال" التاريخ

نشر في: 28 مارس, 2015: 09:01 م

لا عليك بهذه الحرب بين ايران والعرب، فهي مجرد اصطدام داخلي اخر بين اهل الشرق الاوسط. ما الفرق في تفضيلنا اللجوء للسلاح، بين غزو صدام حسين للكويت، وبين عراك طهران والعرب في اليمن، وقبله في سوريا، وقبله في العراق ولبنان وحتى غزة.
الامر يتفاقم طبقا لمقولات "الاذلال" التاريخي. كلمة "القادسية" تتقافز بين السطور، عند من اصابه الملل من انعدام الدور العربي، وزهو الدور الايراني من شواطئ المتوسط حتى ضفاف الفراتين، نزولا عند عرش بلقيس اليمني. اذ لم تكن طائرات السعودية عند الناس سوى محاولة ثأر لإذلال فارسي او شيعي! وعلى الجبهة الاخرى، كان الايرانيون والكثير من الشيعة، يتحدثون عن "اذلال" سني تاريخي استهدفهم.
لكن ذلك لن يخفي حقيقة اننا نتهرب من شروط انخراطنا السلس في ثقافة هذا العالم، وننشغل بصيغ صراع قديمة محبطة. رغم اننا نعلم ان كلا الطرفين يخسران بعمق ولا يمتلكان مشروع تصحيح لامة منتكسة سواء انحازت لعلي ام عثمان، وسواء كتبت الشعر بالفارسية ام بترنيمات عنترة العبسي.
كل صواريخ طهران وحزب الله لن تعني شيئا، وكل المقاتلات الاميركية لدى درع الجزيرة ومصر لن تعني شيئا، في تعريف الصراع بنحو مقبول بين الجانبين، وفي تقديم خطة عمل لوجودنا في مستقبل هذا العالم.
ان في وسع الشيعي العربي في احيان كثيرة، ان يشعر بالتيه بين ايران والعرب، فهو غير مرتاح بالضرورة للتصور الايراني بشأن المستقبل، وغير مرتاح بالضرورة للتصور العربي بشأن هذا المستقبل، لانه لا يشعر بالامان في كلا المشربين والمذهبين. وموقف الشيعي العربي مهم في كشف مفارقات لحظتنا الكبيرة هذه. وهو يشبه موقف المعتدلين من شيعة ايران، او المعتدلين من سنة العراق والخليج وشمال افريقيا.
وليت شعري فهل المطلوب ان نتسابق اليوم بمنطق الدم الذي يسيل كثيرا، لنحدد من له الحق في ان يستبد ويقتل ويظلم، في سوريا والعراق واليمن، ومناطق الاختلاط المذهبي والقومي حتى الاهواز وكردستان ايران وما كان على شاكلتهما؟ ام ان محنتنا الكبيرة تتعلق بترددنا وشكوكنا في معايير الانخراط في هذا العالم الفسيح، الذي يفكر ليل نهار في صراع رأس المال وتعريفات القوة الجديدة وتنافس الكشوفات المعرفية، ونظل نحن خارج سباقاته، حائرين في جواز ان تقود نساؤنا سياراتهن، وحائرين في شرعية الشنق والجلد وبتر الايدي والارجل والرجم، سواء في شريعة طهران او الرياض؟
لقد عجز الشيعة والسنة عن تعريف موقعهم من صراع القوة والمعرفة والمستقبل في تاريخ هذا الكوكب، وهذا العجز سلبهم مشروع التقدم برمته، ولابد لهذا العجز من حرب تتستر عليه وعلى فشله واخفاقاته، ولا افضل من التشاغل بملفات حوثية وداعشية ومذهبية، تقوم بـ"تسلية" الامة وتستنزف اولويات جدلها وتؤجل احلامها، وتنسيها كل اسئلة الفكر والمستقبل، اذ ان البلاهة تقدم لك الحل المثالي: لماذا تنشغل بالاسئلة المحرجة لحقوق الانسان والديمقراطية ومعايير الآدمية، بينما في وسعك ان تغوص في حرب الانفعالات والتشاتم والتلاعن، وفرضيات الفرقة الناجية واحلام "المهدوية"؟
ان الصراع ينحرف ونحن ننسى خلافنا حول مشروعية الحرية والحداثة وحقوق التنوع الثقافي وسباق المعرفة، وننشغل بخلافنا حول من له الحق في ان يستبد بالمنطقة: ايران ام العرب؟ وهو الخلاف المدعم بمدافع تصرخ في وجه مدافع، تختزل محنتنا وعورات التاريخ المخجلة، بسؤال: هل انت مع الحوثي ام ضده؟! ولننسى ان الفشل يلاحق الجميع، من طهران حتى بغداد والرياض والقاهرة، لان امة ابن سينا وابن رشد، تتلعثم في تعريف موقعها من ثقافة القرن الحادي والعشرين ورهاناته، فتهرب الى اسوأ صراعاته ونداماته.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. ابو سجاد

    الى من توجه خطابك يااستاذسرمداذا كنت تخاطب الجماهير فان الجمهور منقسم منهم الجاهل ومنهم الانتهازي ومنهم المثقف الذي باع نفسه بثمن بخس ومنهم من جبن وهرب من مواجهة المعركة المصيرية لهذا البلد واذا كنت تخاطب من بيدهم القرار فان هؤلاء توابع وعليه ان تجد فئة ا

  2. ياسين عبد الحافظ

    شكرا للمقال ،انه صدام الحظارات كما اعتقد، انه عصر جديد يا استاذ، تذوب فيه الاثنيات والطواءف، ه73وولادة عصر حقوق الانسان..

  3. Ahmed kassim

    تسلم إيدك والله الخاسر الوحيد هي الامه الأسلاميه وللاسف المسلمين ( الطائفيين منهم و عبيد الطائفية ) هم افضل من طعن الاسلام وطعن كل منجز حضاري قام به المسلمون من قبل ساهم في الحضاره البشرية وللاسف يضنون بأنهم ينقذون الاسلام ولكنهم أهانوا رساله نبينا ص

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram