الشاعر الساخر والصحفي الملا عبود الكرخي، ظاهرة قلما تتكرر في عالم الشعر ودنيا القلم والكتابة، فقد عاش الرجل رحلة طويلة بمفارقاتها وصراعاتها فاستطاع من خلالها الغوص إلى قاع المجتمع حيث البسطاء من الناس وهموم الحياة واللهاث وراء أبسط متطلبات الحياة.
كان يكتب وهو يعيش فلم يكن أدبه نابعاً من الحياة كما يقال، أنه الحياة نفسها، تلك الحياة التي عاشها واكتوى بنارها، لم يعرف الهدوء والعزلة أو الأبواب المغلقة والنوافذ المسدودة، فالحياة عنده لا فرق فيها بين البيت والشارع أو بين العمل والعلاقات الإنسانية المختلفة.
عاصر حربين عالميّتين، وكان شاهد عيان على أحداث وسنوات جسام، ظل فيها حاضراً بشكل يومي ليصبح وبجدارة ضمير شعب بكامله، من خلال قصائد ساخرة أصبحت ملاذ الناس ومضرب أمثالهم.
في بدايات القرن الماضي عندما لم يجد الكرخي في مجلس النواب حينذاك، من يمثل الشعب بشكل صادق وحقيقي، كتب فيهم قصيدة أصبحت مثلاً حتى يومنا الحاضر عنوانها " قيّم الركَاع من ديرة عفج " يقول:
برلمان أهل المحابس والمدس
عكب ما جانوا يدورون الفلس
هسة هم يرتشي وهم يختلس
ولو نقص من راتبه سنت انعقج
قيّم الركّاع من ديرة عفج
لقد استطاع الكرخي ان يحول المعارضة إلى سخرية من الفساد والاستبداد، بمفرده امتلك قدرات لفظية وعقلية ما زلنا نعيش عليها، ولهذا وجدت كتاباته استجابة عند كل الناس، حيث لمست قلوبهم وخيالهم وفكرهم.
في هذه الأيام نتذكر كبير الساخرين وجليس الضعفاء، ونحن نقرأ في الانباء أن امين بغداد السابق الملا "عبعوب " يقضي فترة استجمام في ولاية فلوريدا الاميركية، الحاج عبعوب الذي صدع رؤوسنا بزرق ورق مدن العالم، يلتقط السيلفي في شوارع اميركا، اين هي مخافة الخالق التي صدع رؤوسنا بها "ياحاج"؟
كنت انوي اليوم ان أكتب عن رحيل لي كوان احد ملائكة هذا العصر، ولكنني اخشى ان يقول البعض: لقد صدعت رؤوسنا باحاديثك العجيبة عن كوريا الجنوبية وفيتنام وسنغافورة، وعن اصرار الرئيس البرازيلي على تحويل 160 مليون إنسان من الفقر المدقع إلى الرفاهية الاجتماعية. ياسادة هذا ما يفترض ان نكتب عنه؟ تأملوا حياتنا، فعمّاذا نكتب؟ تأملوا معي السذاجة السياسية وغياب العدل والقانون، ورائحة الكذب التي تخرج من أفواه المسؤولين، عماذا نكتب؟ عن الفضائيات التي تمارس غسيلا لادمغة البسطاء؟! عن الذين يصرون على أن يحققوا لهم ولأهلهم كل شيء، ولم يحققوا أي شيء آخر للمواطن؟ عن الدولة التي تخطف فيها المليارات في مشاريع فاشلة؟
مات لي كوان بعد ان ترك وراءه بلادا صغيرة لكنها تنعم بالاستقرار والرفاهية، وبمنافسة كبرى مع الدول على المراكز الاولى في سعادة الانسان، جاء الرجل النحيف من جزيرة غارقة في الامراض والتخلف والعوز، طلب من الناس ان تعمل لا ان تهتف له، أغلق السجون وفتح المدارس، وطبّق حكم القانون لا حكم دولة القانون،، لم يفضل طائفة على اخرى رغم ان سنغافورة متعددة الطوائف والأعراق، فقط أراد من الجميع ان يتساووا في الحقوق والواجبات.
كان لي كوان يقول إن الصراحة وكشف الحقائق امام الناس هي التي تبني سنغافورة قوية.. يحزننا ياسيدي السنغافوري العظيم أن نقول ان الحقيقة لدينا هي مجرد بيانات كاذبة، ننشرها بين البسطاء ليل نهار، نحن ياسيدي نعيش في ظل ساسة يفعلون أي شيء من أجل الفوز بقطعة من " كعكة " هذه البلاد.. ورحم الله الملا عبود الذي قال ذات يوم ساخرا:
حطوا علينا نوبجي " فنجان" ما يفهم حجي
أحمق ملعب سختجي أمعفص امقعمر قمعري
عصر "لي كوان" وزمن "عبعوب"
[post-views]
نشر في: 29 مارس, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
Zaid
السلآم عليكم..... بارك الله بك ... من بلآد الغربة أقرأ يوميا عمودك ... ثق أن ما تكتب هو لسان حال العراقي الآصيل .. لايهمك نباح الكلاب فقافلة مبادءك لها تأثير السيف ...
ابو اثير
ياريت ياسيدي الكريم عبعوب وعلى من شاكلته من المسؤلين والسياسيين وشلة الزعامات الورقية والطائفية تولي ألأدبار صوب الخارج وتترك الشعب العراقي المظلوم ليأخذ طريقه بعيدا عن ألأصطفافات المذهبية والعرقية وحتى يرجع كالسابق عراقا موحدا يتشارك في الفرح والأحزان وت