على مدى يومي الاحد والاثنين، بدأت الامم المتحدة برنامجا طموحا مع قادة الخط الاول في بغداد، بشأن التدقيق في اوضاع المدنيين في مناطق الحرب. فنهار الاحد كان جورجي بوستن الرجل الثاني في منظمة يونامي وهي البعثة الدولية العاملة في العراق منذ وقت ليس بالقليل، يقوم برعاية مؤتمر مهم في مبنى البرلمان، حضره رئيسا السلطتين التنفيذية والتشريعية، وكان المجتمع الدولي يصوغ رسالة واضحة لنا: ان حربكم ضد داعش تحظى بدعم دولي كبير، والعالم يرفع قبعته لتضحياتكم، والعالم جاهز لمساعدتكم لتكونوا الجهة المتحضرة في هذا الصراع، والمترفعة عن اساليب الانتقام الداعشية.
اما نهار الاثنين فقد وصل الى بغداد الامين العام للامم المتحدة نفسه، وتحدث بان كي مون بلياقته المعهودة، والتقى كل الزعامات، وكان ينقل للعراقيين اهتمام الدول الكبرى بمرحلة ما بعد داعش، لان المواجهة مع هذه المشكلة ليست مجرد نزاع مع متمردين قساة، وانما اختبار لقدرة العراق على ان يكرس نفسه شريكا مسؤولا وشرعيا في امن المنطقة والعالم، ودون ان ننجح في هذه المهمة فاننا لن نصبح بلدا يحظى بالتقدير، وستكون كل تضحياتنا معرضة للضياع بسبب اخطاء هذا المتطرف او ذاك، من كل الجهات والمكونات.
وطبعا فان الامم المتحدة تشرف منذ عقود على نزاعات طويلة عريضة في القارات السبع، وهي تدرك ان ظروف النزاع العراقي ليست الاولى في التاريخ ولن تكون الاخيرة، ولا داعي لان نتجادل كثيرا بشأنها لو انتبهنا الى ان ذاكرة البشرية احتفظت بتفاصيل متطابقة عن النزاعات، والمعالجات معروفة والخيارات محددة سلفا، وهناك فرصة كبيرة للاستفادة من درس التاريخ وفهم ان "الانتقام ليس حلا" كما قال جورجي بوستن، وان من متطلبات الانتصار في الحرب، ان نبدد قلق المجتمع الدولي، كما عبر بان كي مون.
ويمكننا القول طبقا لهذا بان كل الانفعالات والغضب والثأر الذي ساد في اجواء الحرب، لا يزال في مرحلة قابلة للعلاج، فالمجتمع الدولي يتفهم الظروف المعقدة، ويدرك وجود نوايا صادقة للاصلاح السياسي واصلاح الاخطاء، وهذه ارادة عراقية تستحق الدعم، ولذلك لم يتحدث معنا المسؤولون الدوليون بمنطق عقوبة او زجر، بل عرضوا المساعدة القانونية والسياسية لاحتواء ويلات الحرب، ومساعدة المقاتلين على الانضباط، وتخفيف الام المدنيين المتضررين من المعارك، كاجراء تسعى اليه كل الامم المتحضرة.
وكلام الامم المتحدة ليس بعيدا عن نصائح النجف المتواصلة الى الحشد الشعبي، رغم انه ليس خافيا ان بعض قادة فصائل المتطوعين غير مقتنع بما تقوله النجف ولا بما يقوله كل العقلاء في الحكومة والبرلمان، وهذا امر طبيعي ايضا، اذ لم نكن نصل الى ما وصلنا اليه لولا وجود اراء سياسية سفيهة وفاسدة داخل فريق الحكومة والتحالف الوطني، كانت تشبه الاراء الفاسدة والسفيهة لدى الاطراف العراقية الاخرى، لكن الفرصة لا تفوت لاعادة النظر والمراجعة، ومهما كانت هستيريا الحرب سببا في تجاهل نصائح المرجعية ونصائح العقلاء، فاننا سمعنا عصر الاثنين ان قادة اكثر من فصيل بدأوا يشعرون باهمية ان يراجعوا مواقفهم ويتفهموا سياسات الحكومة في صوغ علاقتنا مع العالم ومع المحيط الاقليمي، وهكذا اعلن بعضهم انه وافق على تنسيق افضل مع مجلس الوزراء طبقا لنصيحة مهمة اعلنتها المرجعية يوم الجمعة، وهذا يعني ان كثيرا من المقاتلين سيعودون الى اسناد الجيش، كما يعني ان معركة تكريت كانت مناسبة لمراجعة العلاقة المعقدة التي تجمع التشكيلات المسلحة الكثيرة، بحكومة بغداد، ومناسبة لاعادة تقييم نصائح اهل العقل والكف عن العناد والتسرع، وادراك ان المنطقة كلها تحترق ودائرة اللهب تتسع، والامر بحاجة الى مزيد من ضبط النفس والتدابير التي تحمي تضحيات كل المقاتلين من الشمال الى الجنوب، لكي نكون اكثر استعدادا لتلقي صدمات عميقة ستتوالى خلال الاسابيع المقبلة في الاقتصاد والسياسة وقوانين الحرب.
بان كي مون والنجف
[post-views]
نشر في: 30 مارس, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
يااستاذ سرمد لااعتقد ان هناك صدمات عميقة ستصيبنا اكثر من هذه الصدمات اموال بمليارات الدولارات وليس الدنانير قد سرقت والسارق امامنا ولانستطيع ان نفول له اعد لنا اموالنا لاننا نخافه وارض منحت لاشرار ولانستطيع ايظا ان نقف بوجه من منحها لهم واعراض انتهكت امام