كان محمود أحمد السيد يحب رفقة حسين الرحال، ويخبرنا الراحل علي جواد الطاهر ان بطل رواية السيد الشهيرة جلال خالد هو تجسيد لشخصية ومواقف الرحال تجاه قضايا الناس البسطاء وهمومهم.
لم يعط محمود السيد حقه في كتب التاريخ ولا حتى في كتب الادب،لكنه أعطى للفكر التقدمي في العراق الكثير، بنى لنفسه عالما، سطراً سطراً، ويعترف لصديقه مصطفى علي حين يسأله: ماذا تريد من الادب؟ " اريد النزاع من اجل العدالة الاجتماعية، نزاعا إلى هدم الاستغلال وسرقة ثروات البلاد، نزاعا إلى مجتمع أكثر عدالة وحرية ".
نشأتُ على نظرة قاصرة وساذجة إلى الادب، وخصوصا الرواية، أحببت همنغواي وعشقت شتاينبيك، وكنت اعيد واصقل في ترجمات سامي الدروبي لدستوفسكي وكانت كل قراءاتي للادب العراقي تقتصر على الشعر وعلى الغرام برواية النخلة والجيران لغائب طعمة فرمان، حتى دلني استاذي صلاح خالص رحمه الله الى كنز محمود احمد السيد، ومنه تعرفت على بواكير الحراك الديمقراطي في العراق.
عدت اليوم الى السيد لمّا كتب عن الفساد المالي، يوم شاهد كيف يسرق قوت الفقراء فيكتب: " لو أن فظاعة الاستغلال توقفت عند ظلم البشر وتخريب الآهل من العمار، لكانت بعض الفظاعة، ولكنها تُزهق الحق في العدالة الاجتماعية قبل أن تُزهق الثروات، وتهدم الضمائر قبل أن تهدم المدن، إنها مرض خبيث لا شفاء منه إلا بالاستئصال "
منذ ايام ونحن وانا معكم بالتأكيد، نكتب عن صحوة المالكي، وعن تقلبات المطلك، ونشتم اميركا والتحالف الدولي ونتظاهر من اجل علي عبد الله صالح والحوثيين، وهذه الصحافة البريطانية، تفتش في دفاترنا وتقلب حساباتنا، لتكتشف ان مسؤولينا الافاضل اهدروا او بتعبير اصح " لغفوا " 165 مليار دولار من صندوق تنمية العراق في ست سنوات فقط!
حيث أوضح تقريرنشرقبل يومين من أن صندوق تنمية العراق الذي أنشئ عام 2003 لإيداع مبيعات المنتجات النفطية العراقية بناء على القرار 1483 وصلت أرصدته إلى 165 مليار دولار في العام 2009، إلا أن هذه العائدات كانت عرضة للفساد حيث اختفى 17 مليار دولار منها في العام 2013، في حين أعلن عن اختفاء 40 مليار دولار أخرى في العام 2010.
وأوضح التقرير أن سوء الإدارة وحالات الفساد المالي والإداري جعلت هذه الأرصدة الكبيرة تتقلص لتصل في العام 2012 إلى 18 مليار دولار فقط.
تجول الصحافة الغربية حول قضايا العراق لتكتب عن أشياء أهم بكثير من " إرادة الفتلاوي " و " جيش النجيفي " وتكرارأحاديثهم وعبثها ورداءتها وأثرها المدمر على عقول العراقيين. تاركة لنا ان نرفع شعارات الموت لأميركا في الوقت الذي يحتضن فية وزير خارجية ايران وزير خارجية الشيطان الاكبر، فيما نحن نعبّئ الجيوش لمنازلة واشنطن ومعها الحلف " الشيطاني ".
وبعيدا عن بغداد الغارقة في البحث عن صحة الشهادة الجامعية لمشعان الجبوري، كانت الناس في سنغافورة تسهر منذ ايام امام بيت الراحل لي كوان تشعل الشموع وتملأ الارض زهورا لذكرى رجل حوّل جزيرة غارقة في الاوبئة والفقر والجهل ليبني مدينة كبرى ليس في آسيا فقط، وانما في معظم أرجاء المعمورة.. من دون ان يسجل ولا حديث أربعاء واحد!
مدينة تساوى فيه الجميع، فلا سيد ولا مسود، تفوح منها روائح الرفاهية والازدهار، مثلما تمنّى محمود أحمد السيد قبل أكثر من ثمانين عاما
غاية السياسة إشاعة العدل والرفاهية.
لابد من مشعان وإن طال الخراب!
[post-views]
نشر في: 3 إبريل, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 3
رمزي الحيدر
الله يعطيك طول العمر ،لنقرأ مزيد من مقالاتك الرائعة ،بالفعل أن قلمك هو أحد الشموع القلائل في الظلمة الحالكة التي طبقت على العراق المكسور.
ابو احمد
الاخ علي حسين المحترم تحية طيبة انني من النعجبين بعمودك اليومي وعمق وجدية ما تكتبه ولاحظت اشارتك في اكثر من مقال الى مؤسس سنغافورة وباني نضتها وهي لاشك متقدمة بامتياز ولكن هل تعرف لقب لي كوان عالميا هو المستبد العادل فهل تعتقد ان هذا ما ينقصنا ام اننا ن
ابو مينا
شر البلية ما يضحك يا سيدي الفاضل. بدأت حقا ادمن على جرعاتك الفتاكة من الكوميديا العراقية السوداء.. لكني من صميم القلب ، اتمنى ان اقرأ لك في زمان يكون العراق فيه غير هذا الذي يضحك الثكلى و يبكي العروس. دمت لي نبضا و صوتا يا ايها القلم الشريف.