لم تعد الثقافة بمفهومها السابق او المتعارف عليه، فقد تغييرت مع تغيير الظروف والمعطيات الجديدة وكيفية التعامل معها والعمل بها وفق ذلك. أحد مفاهيم الثقافة الآن أن سلوكاً قانونياً او تطبيق القانون بشكل دقيق في كل مرافق الحياة. بمعنى انها باتت سلوكاً حضا
لم تعد الثقافة بمفهومها السابق او المتعارف عليه، فقد تغييرت مع تغيير الظروف والمعطيات الجديدة وكيفية التعامل معها والعمل بها وفق ذلك. أحد مفاهيم الثقافة الآن أن سلوكاً قانونياً او تطبيق القانون بشكل دقيق في كل مرافق الحياة. بمعنى انها باتت سلوكاً حضارياً، ولأن قوانين الجهل والتخلف إذ أشاعاته القوى الإرهابية المتشددة والمتطرفة بحاجة الى مجابهة بمختلف المجالات ومنها المواجهة الثقافية. عن هذا الامر اُقيمت جلسة حوارية مع السيد وزير الثقافة فرياد راوندوزي بعنوان (الثقافة في مواجهة الإرهاب والتكفير) أدارها وقدم لها الكاتب والإعلامي علي عبدالامير عجام.
التعامل مع الوسط الثقافي
في البدء تحدث الوزير عن تسنم منصب الوزارة وهي مثقلة بتركة كبيرة من مشكلات وتبعات الوزراء السابقين خاصة الثمان سنين الأخيرة حيث كانت الوزارة تُدار بالوكالة، مشيراً الى أن وزير الدفاع كان بالوكالة وهو وزير الثقافة بالأصالة لكنه عمل العكس تماماً! مضيفا: لا اكتمكم سراً العمل ليس سهلاً وسط تقاطعات في الرؤى الثقافية والفكرية، وكيفية التعامل مع الوسط الثقافي برمته فيه حساسيات ويحتاج الى قلب كبير، لكني واحد من هذا الوسط وأتفهم طريقة تفكيرهم والتعامل معهم، لذا أحاول ان أتصدى للوزارة من موقعي كمثقف وبحسب الامكانات المتوفرة لي أُسخرها لفائدة الثقافة العراقية.
وأكد رواندوزي على ضرورة البحث عن تغييرات جذرية لأجل استقامة الثقافة وتنشيطها كما يجب، كذلك علينا الاعتراف بوجود ازمة في كيفية التعاطي الثقافي، وذلك لعدم وجود فلسفة واضحة المعالم للدولة في ما يتعلق برسم سياساتها الثقافية في البلاد، وحتى الحكومة الحالية اختصرت عملها الثقافي بعبارات قليلة لم تقم حتى الآن بترجمتها الى وحدات تفصيلية لأجل بناء فلسفة وسياسة وستراتيجية واضحة للتعاطي مع الثقافة.
المنتوج الثقافي والبُنى التحتية
وأوضح وزير الثقافة: ان ذلك لم يكن فقط في شخص رئيس الوزراء او في كتلة او حزب معين ولكن هي مسألة عامة للوضع في العراق وما فيه من تعقيدات عامة ألقت بظلالها على الكثير من مراحل الحياة ومنها الثقافة التي تراجعت كثيراً ، ولا توجد أولوية لأن تكون الثقافة في السلم المتقدم من الاهتمام. وقال: كما تعرفون لا يمكن للثقافة ان تتطور وتكون مؤثرة إلا بوجود مستويين: الاول يكمن في النشاط والمنتج الثقافي، والثاني مرتبط بالبنية التحتية للثقافة. فاذا كان الأول موجوداً وفيه نوع من الحراك، فالثاني معدوم تماماً فلا توجد أية بُنية ثقافية في العراق.
لافتاً الى ان ما بين عامي 2012 و2014 كانت هناك فرصة للنهوض بالبنية التحتية لما سُمي ببغداد عاصمة الثقافة العربية، لكن هذه الفرصة اُهدرت تماماً، والاموال التي كانت مرصودة لم توجه بالشكل الصحيح، مشيراً الى اسباب من اهمها عدم وجود تشريعات للثقافة، ومن الصعب جداً ايجادها بسبب التقاطعات البرلمانية في الرؤى حول الوضع الثقافي، منوِّهاً الى أنه حتى الانظمة التي تعمل بها تشكيلات الوزارة هي بالية ولا تتناسب مع مرحلة ما بعد صدام، ولا مع الرؤية التي ينبغي ان تكون وتخلق حول الاستثمار الثقافي، لأن هذه الانظمة لا تستطيع ان تدفع باتجاه الانتاج الثقافي.
كما تحدث الوزير عن أهمية إبعاد وزراة الثقافة عن المحاصصة وجعلها وزارة سيادية مستقلة وان كان لابد من ذلك فيمكن للجهة او الطرف التي تكون من حصته ان يقدم شخصية ثقافية مرموقة ومحترمة لإدارة الوزارة. مشيراً الى ان طيلة السنوات السابقة لم تحظ َ الوزارة بوزير عمل بجــدٍ واخلاص غير الوزير الاول بعد التغيير الاستاذ مفيــد الجزائري.
انتاج ثقافة مغايرة
وبخصوص عمل وزارة الثقافة في مواجهة الإرهاب قال: إن الوزارة تسعى بكل جهودها لمواجهة الارهاب وداعش برغم محدودية امكاناتها، وتركيبتها التي بحاجة الى اعادة نظر لا ، بل أن المطلوب اعادة النظر بفلسفة ادارة الدولة بشكل عام. مضيفاً ان الارهاب فكر يجب مواجهته بفكر آخر مغاير بالمفهوم والتطبيق، فالارهاب لم يعد جريمة جنائية، بل ثقافة اخذت تنتشر وتتمد بشتى الاتجاهات. واشار الى تعدد اشكال وانواع الارهاب وتياراته المتعددة والمختلفة النشاط.
موضحاً ان هناك اربعة تيارات متواجدة الان في الساحة العراقية لكل واحد منهم رؤى وافكار يبحث عن تطبيقها، الإرهابي، المتطرف، الاسلام السياسي، والتيار المدني او اللبرالي او العلماني.
التيار الاول لا يؤمن بشيء اسمه ثقافة والبديل عنده جاهز دائم وهو القتل لكل مَن يُخالف ذلك وهو تيار تدميري بكل معنى التدمير ، اذا كان إرثاً تاريخياً او اجتماعيا. والتيار الثاني المتطرف هو الآخر لا يؤمن بثقافة الطرف الآخر، وربما يعمل في منطقة قريبة من التيار الاول وتفرعاته.
اما التيار الثالث الذي يبحث عن المنع والتحريم وهذا ما نراه في تراجع الفــن في العراق على مستوى الغناء والرقص والموسيقى فكل شيء جاهز للمنع اذا ما اُوريد ذلك. مشدداً على ان التيار الأخير لا يريد التعاطي من الثقافة والمثقفين كما يريدون بل كما يريد هو ويرى.
الخبز والحرية والمثقف
واضاف وزير الثقافة أن التيار السائد الآن في البلد له تأثير في مختلف الاصعدة والاتجاهات، وهو في ذات الوقت لم يحدد معالم فلسفته حتى الآن في ما يتعلق بالتعاطي مع الثقافة. وقال: لو نضرب مثلاً في ايران، وهي دولة اسلامية على المذهب الجعفري، ولكن لها فلسفة واضحة المعالم مع التراث والإرث والتاريخ الثقافي، لذا نجد الثقافة الإيرانية برغم بعض الانحسار إلا انها في تقدم.
راوندوزي اشار الى ان المثقف في كردستان وضعه افضل من المثقف في بغداد لوجود تشريعات ضمنت حقوقه، بما ترجم عن كلام لمام جلال يؤكد على ضرورة الخبز والحرية للمثقف. وقال: نحن ايضاً بحاجة لخلق ضغط على المجتمع السياسي لتأمين مثل هذه التشريعات التي تحسِّن وضع المثقف، وهذا يحتاج الى جهد استثنائي مكثف لمعالجة مكامن الخلل، وانا بصدد تشكيل هيئة استشارية من خارج اركان الوزارة ليكونوا عوناً لي للبحث وايجاد الحلول.
مجلس أعلى للثقافة
بعده تم فتح باب الحوار امام الحضور، وكالعادة خرج الكثير منهم عن صلب الموضوع وأخذ يتحدث عن قضايا واشكالاته خاصة او بعض الامور البعيدة عن صُلب الموضوع وعنوان الجلسة الحوارية. أحد المتداخلين قال: هل يمكن لوزارة الثقافة ان تفعل شيئاً تجاه الارهاب والتكفير؟
الوزير:هنالك عقبات كبيرة تقف امام عمل الوزارة منها سياسية وحزبية اضافة الى عدم وضوح الرؤيا الثقافية لدى البعض، فالمحاصصة السياسية تغتال الثقافة كذلك هنالك وجود فجوة بسسب هذه المحاصصات بين الوزارة وعدد من المؤسسات التي هي بمثابة أذرع الوزارة وسنعمل بكل الامكانات المتاحة من اجل تذليل تلك العقبات ومن خلال ذلك نستطيع محاربة الارهاب فلدينا امكانات عــدة تستطيع تطوير الواقع الثقافي في البلاد وسوف نسخر ذلك في محاربة الإرهاب .
الكتبي ستار محسن تساءل عن مستقبل المجلس الأعلى للثقافة؟
الوزير: بكل صراحة المشروع يواجه تحديات كبيرة منها البيروقراطية المتبعة من قبل المؤسسات الحكومية العراقية. نحن الان بصدد تشكيل هيئة استشارية تتألف من 25 شخصا ذات كفاءة وسيعلن عنها بعد عشرة ايام وهذه الشخصيات هي من خارج الوزارة وعلى اتصال مباشر بي من اجل احياء هذا المشروع الذي تغاضت عنه حكومات متعاقبة.
المراكز الثقافية في الخارج
د. كمال فارس نظمي الكل يعلم بأن هنالك سوء إدارة في عدد من المراكز الثقافية خارج العراق، ما الاجراءات التي اتخذت بحق القائمين على تلك المراكز؟
الوزير: قمنا باتخاذ عدد من القرارات الحازمة التي ستعمل على اعادة عمل هذه المراكز بصورة صحيحة ومن هذه الاجراءات إعفاء عدد من مدراء تلك المراكز اضافة الى تغيير كوادرها.
الشاعر زهير بهنام بردى: كيف يمكن للوزارة الارتقاء بالثقافة في ظل وجود بُنى تحتية لا تصل الى مستوى المقبولية على الاقل؟
الوزير: ان الثقافة لا يمكن لها ان تستقيم الا بوجود أمرين هما: النتاج الثقافي والبنى التحتية، فقد اُتيحت للوزارة فرصة ذهبية من اجل النهوض بواقع البنى التحتية ولم تُستغل بالشكل الجيد من خلال مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية هذا العام كما تعلمون هنالك تقشف في جميع الوزرات ومنها وزارتنا وهناك مشروع في العام القادم من اجل الارتقاء بواقع البنى التحتية .
حقوق النشر والملكية الفكرية
ممثل دار الجمل: ما الإجراءات المتبعة من قبل الوزارة في ما يخص حقوق النشر حيث نلاحظ اصدارات عديدة في المكتبات بنسخ مزيفة؟
الوزير: مؤخرا تم تشريع قانون الملكية الفكرية لكن وللاسف لم يتم تطبيق هذا القانون بالشكل المطلوب من قبل الجهات التنفيذية مع وجود ملاحظات عــدة على هذا القانون وكيفية تطبيقه.
متداخل: بعد تسنمكم مهام عملك في الوزارة حصلت هنالك تغيرات عــدة في المواقع، فما هي طريقة التغيير التي اُستخدمت، هل هي طريقة التغيير الفوقي التي تبدأ من المناصب العليا نزولا أم تغيير يبدأ من قاعدة الهرم صعوداً؟
الوزير: نحن نهتم بالمسميات الادارية المهمة التي اذا ما استقامت ستسهم في تطوير عمل المؤسسة التي نقف على رأسها بالصورة التي تخدم عمل الوزارة لذلك كانت سياستنا في التغيير تبدأ من رأس الهرم نزولاً الى قاعدته.
متداخل: هنالك مصطلح هو الثقافة العلمية، ما دور وزارتكم تجاه تلك الثقافة؟
الوزير: تعمل الوزارة على تطوير الواقع الثقافي بكل اشكاله العلمي والانساني ونحن نقوم بطباعة عدد من المنشورات العلمية وهناك قسم خاص بالبحوث والدراسات ولديه تنسيق وتعاون مع عدد من المؤسسات التي تهتم بهذا الشأن لكنه وبكل صراحة محدود جداً.
متداخل: برأيكم هل تستطيع الثقافة إعادة بناء المواطنة في ظل الظروف الراهنة؟
الوزير: بكل تأكيد ان وزارة الثقافة قادرة على اعادة بناء المواطن والمواطنة.
متداخل: هل تستطيع وزارة الثقافة تغيير الواقع الثقافي وخصوصا في السيطرة على المال الثقافي من خلال هيمنة البعض على تلك المؤسسات الثقافية.
الوزير:منذ اليوم الاول لتسنمنا مهام عملنا في الوزارة ونحن حريصون أشد الحرص على محاربة الفساد في جميع المؤسسات التابعة للوزارة وسوف نُنهي هذا الأمر بأسرع وقت.