اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صورة البصرة في رحلة باسونز

صورة البصرة في رحلة باسونز

نشر في: 7 إبريل, 2015: 09:01 م

في رحلته الى البصرة سنة 1774-1775 يقول ابراهام باسونز : "نتيجة لموقع البصرة التجاري، يتوافد على المدينة الكثير من التجار الارمن واليهود والاتراك والمسيحيين ،مواطنين واجانب، ممن يشترون العمولة او على حسابهم الشخصي بالضريبة والتقدير، ثم يعيدون البيع مرة ثانية للتجار الاجانب، ويتحدث عن العملات النقدية التي يتعامل بها هؤلاء، فياتي على ذكر ليرات الذهب الايطالية ويجري الحديث عن تعاملات بين التجار القادمين ببضائعهم من بلاد الهند وفارس والجزيرة وبين القادمين من حلب واسطنبول وغيرها، وكل هذه تجري في اسواق البصرة حيث يقيمون بائعين ومشترين.
يتوقف باسونز طويلا عند منظر شط العرب الجميل وغابة النخل التي يصفها باكبر غابة نخل في العالم، ثم يتوقف اكثر عند الحراك التجاري والوئام العام بين الطوائف ورقي التعامل مع ابناء المدينة بمختلف التوجهات. لكني وفي فندق ديفان باربيل، أمس وجدت نفسي محرجا، مرعوبا من خجل وحياء حين حدثني احد الاصدقاء الكورد عن زيارته للبصرة العام الماضي قائلاً:" من غير المعقول ان يتحدث أحدٌ عن الثقافة في البصرة وكل المؤسسات الثقافية في المدينة، تقيم مبانيها بالقرب من نهر العشار، الذي هو المكب الرئيس للنفايات والمياه الثقيلة في المدينة، والذي تعبره الجرذان من جهتيه، رائحته تزكم الانوف، ومنظره يقزز النفس التقليدية، فكيف بالنفس الشاعرة المثقفة" وبين القراءتين اقف حائرا، هل اتحدث عن ضاحية عينكاوة الجميلة التي في اربيل، التي ضمت ورعت وحكت مسيحيي العراق ثم لجأ اليها العديد من ابناء الطوائف والاقليات، معززين مكرمين أم اتحدث عن ضاحية بريهة التي كانت مغلقة على مسيحيي البصرة، والتي تتهدم وتتسخ ساعة إثر ساعة، فيغادرها اهلوها ليحل محلهم من ضايقهم بالعيش والفكر والتشدد؟
في كل كتب التواريخ التي كتبها الرحالة العرب والاوربيين ترد البصرة كواحدة من مدن الشرق الساحرة، المهمة في التجارة والتمدن والتحضر، يحتفظون بصورتها في كتب مذكراتهم مثل ماسة نادرة في تاج شرقي خرافي، وظلت صورتها هكذا حتى وقت قريب، فالعراقيون الميسورون ياتونها عشاقاً ومتزوجين، يقيمون في يساتينها ودورها العريقة وفنادقها الجميلة، تخلب البابهم مناظر شطها الكبير، وغابات نخيلها الساحرة. هذه المدينة حلت اللعنة عليها منذ ان تسلم صدام حسين مقاليد البلاد واستمرت اللعنة هذه على ايدي الحكومات التي تعاقبت عليها بعد العام 2003 الى اليوم، وذهبت كل نداءات اهلها سدى، ولا أحد يفهم لماذا يصرّ هؤلاء على جعلها كاقذر مدينة في العالم.
اما اليوم فيعمل محافظها على منع المقاهي العشوائية المقامة منذ سنوات على كورنيش شط العرب، في حملة واضحة للحد من انشطة الاركيلة ومهربي ومتعاطي المخدرات، التي باتت تفتك بجيلنا الجديد، بعد ان تففن تجّارها في تهريبها الى المدينة، وقد كانت البصرة عبر تواريخها ممراً للحشيشة -التي تزرع في ايران- الى دول الخليج، ومنذ ان منعت حكومة البصرة، بموجب قرارها سيئ الصيت، الذي قضى بمنع بيع وتداول الخمور في حاناتها ومحالها التجارية وابناء المدينة يبحثون عن بدائل "شرعية" للترويح عن الضيم والهروب من الشوارع المغبرة والبطالة وصور الفساد التي باتت الاطار العام للمدينة، دون أن يلتفت اليها أحد من حكامنا، الذين لا عمل لهم سوى التفنن في طرد المستثمرين، ومنح العطاءات الكبيرة لمقاولين محليين فاشلين، من الذين اضاعوا مليارات الدولار في مشاريع زادت المدينة سوءاً وعمتها خراباً.
سيذكر التاريخ اسماء محافظي البصرة واحدا واحداً، وسيتوقف ابناؤها بملايينهم التي قاربت الثلاثة عند كل واحد منهم، وسيقلب الصحفيون والمحققون اوراق سجلات دائرة التسجيل العقاري والزراعة وغرف التجارة وستتضح صورة الفاساد باجلى ما يمكن، وسيعلم البصريون من سرق احلامهم، من استولى على البساتين والشوارع والاسواق، عند ذلك سيكون لهم مع كل واحد من هؤلاء حديث خاص. والله غالب على امره. آنذاك ستكون قراءتهم لرحلة ابراهام باسونز الى البصرة اكثر اهمية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. عمر

    المقال يتصف بالتناقض , فالكاتب مرة يصف المخدرات بأنها تفتك بجيلنا الجديد ومرة يقول عنها البدائل الشرعية وينتقد قرار محافظة البصرة بمنع الخمور , وهو يشجع ويناقض نفسه لانه ينتقد ترك المخدرات وعدم ملاحقة مهربيها ,,, ثم هل الكاتب يرى أننا نترك اهل ا

  2. محمد توفيق

    الى عمر ... لا توضجنا... ترى روحنا طاكة... البوك حلال بالنسبة للسياسيين والمعممين بين قوسين وكلهم معدان وعماراتهم الفارهة على البراضعية والتنومة وكردلان والسراجي واللي ايديهم امتدت حتى لخمس الأمام الغائب اللي راح يشوف لما يطلع حتى خمس جده كلته الحرامية

  3. Salim

    ماذا نتوقع من شعب فاقد للطبقة الوسطى، دستوره الخرافة وسلطة الرعاع،لايملك الحس بالجمال لانه ببساطه قد طرد درس الفنية من المدارس منذ عقود . لانتوقع الا ان يختار النكرات لتقوده ويدافع عنها بضراوة وعنف. همه كم سيجني من اي عملية هدم، تخريب،وحتى قتل. ولتذهب الب

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram