TOP

جريدة المدى > عام > في جلسة حوارية ضمن معرض أربيل للكتاب..تشريح داعش: الأفكار، الجذور والمسببات

في جلسة حوارية ضمن معرض أربيل للكتاب..تشريح داعش: الأفكار، الجذور والمسببات

نشر في: 9 إبريل, 2015: 12:01 ص

 لأنه بات ظاهرة عنفية ظلامية تهدد الجميع وتفتك بالمجتمعات الآمنة والمسالمة، ولأنها (داعش) باتت منظومة أفكار وثقافة أنتجتها ظروف ومتغيّرات كثيرة اجتماعية وسياسية واقتصادية، لذا لابـد من تشريح هذا المسخ المعروف بـ(داعش) ومعرفة تفاصيل وجوده وتكوينه

 لأنه بات ظاهرة عنفية ظلامية تهدد الجميع وتفتك بالمجتمعات الآمنة والمسالمة، ولأنها (داعش) باتت منظومة أفكار وثقافة أنتجتها ظروف ومتغيّرات كثيرة اجتماعية وسياسية واقتصادية، لذا لابـد من تشريح هذا المسخ المعروف بـ(داعش) ومعرفة تفاصيل وجوده وتكوينه وعمله والمنظومة التي اُسس عليها هذا البناء الإرهابي والفكـر الظلامي. 

 

 
الخلافة الإسلامية والعالم الكافـر
ضمن فعاليات معرض أربيل الدولي العاشر للكتاب الذي تقيمه مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون عقدت جلسة حوارية حول تشريح عالم داعش أدارها وقدم لها د.هشام داود تحدث فيها الباحث والتدريسي في جامعة صلاح الدين/ أربيل د . فارس كمال نظمي قائلا: قبل أي تحليل، لا أمتلك إلا أن أجاهر بأنني لا أستطيع أن أفهم التطرف الديني مجهرياً إلا على أنه قشرة خارجية تخفي في جوفها جرثومة رأس المال الريعي أو الطفيلي أو الاحتكاري! كما لا أستطيع أن أفهم العقلانية والاعتدال إلا على أنهما نتاج سيكولوجي تراكمي ومتريث وبعيد المدى لاقتصادٍ منتج يهتدي بضرورات العدل الاجتماعي النسبي، مضيفا: ألم يؤدِ إصرار الاحتلال الأميركي للعراق 2003م على تشجيع التيارات المتأسلمة المفتقرة لبنية اقتصادية منتجة والفاقدة لأية قاعدة معرفية متنورة من جهة، وتهميشه وعزله للتيارات المدنية وكفاءات الطبقة الوسطى المستنيرة المالكة لمهارات بناء الدولة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً من جهة أخرى، إلى النهاية "المنطقية" الماثلة اليوم ببزوغ عصر "الخلافة الإسلامية" القائمة على حتمية تطهير العالم "الكافر" بوسائل النكاح الجمعي وجز الرقاب ومحو كل ما يدل على وجود تراكم حضاري بشري عبر الزمان والمكان؟!
السجون الأميركية وانتاج داعش
نظمي أوضح أيضا: أليس تنظيم داعش بنسخته الجينية العراقية نتاجاً لتلقيح بويضة الإسلام السياسي المحلي المفتون بفكرة تخطئة وتصفية الآخر الذي ينازعه على امتلاك الله، بحيمن السمسار الرأسمالي الباحث عن أسواق لتصدير السلاح واستهلاكه، بوصفه (أي السلاح) الوسيلة "المثلى" لحل المشكلات الفقهية الكبرى؟! مضيفا: ولذلك ليس مستغرباً أن عدداً من قادة القاعدة وداعش قضوا شوطاً من حياتهم في السجون الأميركية في العراق بعد سنة 2003م حيث جرى فيما يبدو تأهيلهم ضمن النشاطين التثقيفي والتنظيمي لهذه المنظمات تحت سمع وبصر السلطات العسكرية والاستخبارية الأميركية!
اقتصاد ريعي مطلق
واستطرد د. فارس كمال نظمي: "داعش" وقبلها "القاعدة" ليسا أكثر من ظاهرة اقتصادية سياسية تقتات سيكولوجياً على خزعبلات دينية، وجِدَت - ضمناً أو صراحة- لتشغيل معامل السلاح وإنتاج الرفاهية الأنانية لصناع القرار العالمي "الحريصين" جداً على "مكافحة" الإرهاب، ومَن يتحالف معهم موضوعياً من كومبرادوريات محلية فاسدة. متابعاً: فأي استبداد سياسي أو نزعة دوعشية في الدولة أو المجتمع في التاريخ الحديث، لم تكن إلا نتاجاً لإخفاق السلطة في امتصاص رأس المال الاقتصادي أو البشري على نحو عقلاني ثم إعادة إنتاجه بصيغة علاقات اجتماعية متطورة، كما هو الحال مع التجربة الهتلرية (رأس المال الصناعي المنتعش) والتجربة الستالينية (رأس المال البشري الحالم) والتجربة الصدّامية (رأس المال النفطي المفاجىء) ومؤخراً التجربة الإسلاموية في العراق بعد 2003م (اقتصاد ريعي مطلق يحميه احتلال كولونيالي). 
وأوضح نظمي : أن هذا الإخفاق منذ لحظته الأولى ما كان ليستمر لو لم تدعمه أيديولوجيا إيهامية نابعة من غيبيات عِرقية أو طبقية أو لاهوتية ذات منشأ محلي أو عولمي، كانت في جوهرها نتاجاً ثقافياً ساكناً ومتخشباً لمراحل سوسيوسياسية متأزمة سبقتها، مسترسلا: ولأن الدوعشة - فكراً وممارسات- نشأت أولاً في العراق بعد سنة 2003م ثم انتقلت إلى سوريا لتعود بعدها إلى العراق، فلا بد أن يبرز استفهام تعليلي: هل يمكن بالفعل قطع الصلة السببية بين سلطةٍ قامت على مبدأ التمذهب والتطييف والتديين في تأسيس أركان دولة ما بعد البعث، وبين نشوء تيارات تكفيرية اقتاتت على المبدأ ذاته ولكن بصيغة "تطويرية" فاقت حدود الخيال في دمويتها "الإبداعية"؟!
فرانكشتاين العراقي
ولأن الكل شارك في صناعة وانتاج (داعش) من قوى خارجية وداخلية سياسية ومجتمعية قال نظمي : هل يمكن تبرئة "فيكتور فرانكشتاين" العراقي - في السلطة والمجتمع معاً- من إثم تصنيعه للمسخ الذي أحال حياته وحياة المدينة إلى فنتازيا للهلع والقتل الأعمى؟!
إن الشروط الضرورية لإنتاج الدوعشة جرى تحقيقها عبر آليتين، أسهمت بهما معاً: سلطةُ أحزاب المنطقة الخضراء المتأسلمة من جهة، وجمهورٌ مثخن بالأوجاع النفسية والتشوهات الإدراكية من جهة أخرى:
1- آلية ثقافية: إذ ربطت هذه السلطة للمرة الأولى في تاريخ العراق المعاصر بين الشأن السياسي اليومي والشأن الرباني الغيبي، إلى حد تجذير فكرة أن "شرعيتها" مستمدة من "بديهية" تمثيلها للحق الإلهي، سيما أنه تمثيل تدعمه صناديق انتخابية تمتلىء كل أربع سنوات ببطاقات الوعي الزائف ! فأصبح معيار الثقافة السياسية السائدة ليس التنافس الاجتهادي على تطبيق برامج دنيوية واقعية ذات طابع إصلاحي مؤسساتي مدني، بل أمسى المعيار الوحيد - صراحة وضمناً- هو توظيف كل ديناميات الذاكرة التأريخية المُتَخيّلة، سلمياً وعنفياً، لإقصاء الآخر (الشيعي أو السُّني) بوصفه "غير شرعي" يفتقر للأهلية اللاهوتية، مضيفاً: فوُِلِدَ داعش من جراء تلاقح سياسي غير شرعي بين "شرعيات" أساطيرية، إذ وجد هذا التلاقح له رحماً خصبة في عقلية شعبوية مُحبَطة ومتحاملة ومُستَلَبة ومجروحة الكبرياء وفاقدة لقيم التنوير والحداثة، وظـَّفتْ (أي هذه العقلية) فقهياتِ الدين السماوي ليكون الوسيلة "المثلى" للتنفيس عن إخفاقاتها الأرضية المتمثلة بالإفقار والإذلال والترويع طوال أكثر من أربعة عقود اصطبغت بالدم المؤدلج بحروف الوهم القوموي حيناً والأسطرة اللاهوتية حيناً آخر.
2- آلية اقتصادية: إذ ورثت هذه السلطة اقتصاداً طفيلياً هائلاً في ريعيته وافتقاره إلى أدنى حدود الإنتاجية والعقلنة، فتدفقت هنا غرائزيتها غير المنضبطة لا أخلاقياً ولا معرفياً، لتجد في تسييس الله وسيلة "مثلى" لاقتسام جثة الدولة وبيعها في أسواق الفساد المزدهرة، سنة بعد أخرى، وأزمة بعد أخرى. ومن هنا نشأ ما يُسمى في الأدبيات السياسية بأسواق العنف أو اقتصاد الحروب الأهلية، وما يمكن تسميته أيضاً بـ"الاقتصاد المنتج للدوعشة"!
الصورة النمطية المتطرفة
كما تحدث نظمي عن الظاهرة السياسية - الاقتصادية، فالارقام المتاحة تؤكد مع بـدء القصف الاميركي في آب الماضي على مواقع تابعة لداعش في العراق وسوريا ارتفعت ارباح عدد من الشركات من 4 الى 9 % اضافة الى انتعاش سوق تجارة السلاح في الولايات المتحدة الاميركية. 
فكما هو معلوم ان اليوم الواحد من المعارك الدائرة يكلف 8 ملايين دولار فالمستفيد الوحيد من هذه الحرب هي كبرى الشركات الاميركية، مسترسلا: هنالك اشخاص وعوائل وعشائر في العراق وسوريا اهتزت أرباحها بعد ان تغيـّر النظام في العراق قامت باللجـوء الى (داعش) للحصول على مكاسب مالية، فميزانية داعش تصل الى (2) ملياري دولار، متسائلا : لماذا أصرَّت الولايات المتحدة الاميركية على اشراك تيارات اسلامية طائفية في حكم العراق؟ 
ومن بين الأمور الأخرى التي تحدث عنها نظمي: الصورة النمطية المتطرفة الرأي، فالسُّني بعثي داعشي، والشيعي صفوي إيراني، وهذا ليس بغريب عن الثقافة السياسية للاسلام اضافة الى عدم وجود حقوق متساوية بين الرجل والمرأة رُشِّح لإنتاج (الدوعشة).

جـذور داعش

الجذر الأول:
الإباحة الطفلية للمحرمات 
ولأن لكل ظاهرة جذور واُسس تستند عليها وتعمل وفقها أوضح نظمي أن الدوعشة تنكص بمريديها رغبياً ولا شعورياً إلى منطقة الإباحة الطفلية للدم والجنس والمِلكية، خارج الإطار العُرفي والقانوني المتفق عليه آدمياً، مضيفاً: إنها تحقق دفعة واحدة أعزَّ ما يشتهيه الإنسان الهدمي دونما إلزامات أو محددات أو تقييدات، إذ تغدو كل التابوات مباحة ومتاحة، بل ومستساغة وأثيرة لكونها تعبّر عن نزعة "أخلاقوية" لاستعادة "شرع" الله على الأرض، وهذه الإباحة هي نتاج سلوكي لتفجر الدوافع العدوانية العقابية غير المؤنسنة، بتأثير ميكانزمات التبرير والإزاحة حينما تمتزج دينامياً بالحرمان، والكبت، والإحباط، وأزمة الهوية الفردية والجمعية.
1- الدواعش الشرقيون: أغلبهم شبان قادمون من بلدان عربية وإسلامية ونامية تجاوز فيها الحرمان (بشقيه المطلق والنسبي) والاستبداد السياسي والقهر الاجتماعي والكبت الجنسي الحدودَ الضرورية لاحتفاظ أفراد الفئات المستلبة القطيعي.
2- الدواعش الغربيون: شبان قادمون من بلدان أوروبا وكندا وأميركا وأستراليا، يشتركون مع الدواعش الشرقيين في بعض جوانب الحرمان الاقتصادي، فيما يتفردون بمعاناتهم من الاستبعاد الاجتماعي والتمييز الديني أو العرقي بحكم انحدار معظمهم من أقليات شرقية مسلمة ، إذ هاجر آباؤهم أو أجدادهم إلى الغرب منذ أواسط القرن الماضي، ما جعلهم مهمشين على تخوم تلك المجتمعات دون اندماج حقيقي بها.
 
الجذر الثاني:
اليقين الطاغي بالشرعية 
واضاف د. فارس كمال نظمي: تكتسب الدوعشة "أحقيتها" و"ديمومتها" من تآكل الشرعيات السياسية الأخرى المجاورة لها، فيما يمكن تسميته بفراغ الشرعيات، وهي بذلك تمسك بأقوى عناصر الوجود الاجتماعي قاطبة: أي إحساسها الطاغي بـ"شرعيتها" العابرة لحدود الزمان والمكان، مستطرقاً: فأنصار الدوعشة كانوا على مرِّ التاريخ يعانون من "تشوهات إدراكية" ، إذ يتماهون بعقيدة تسلطية Authoritarian توفر لهم أقصى درجات اليقين المطلق (أوهام العظمة) بـ"صوابيتهم" و"حتمية" انحناء الأحداث لإراداتهم، وهم هنا يعيدون إنتاج الماضي -اللاهوتي أو الدنيوي- بمسمياته ووقائعه المُتَخَّيلة بصيغة صور نمطية محرّفة عن حاضر لا يمكن أن يستقيم إلا على مقاساتهم "الشرعية"، حتى لو اضطروا إلى مراكمة جبال من الرؤوس المقطوعة لتتحقق تلك المقاسات؛ إنهم يحلبون الذاكرة التأريخية لشعوبهم ليرشفوا منها عسل اليقين بأن لا أوصياء غيرهم على (الحقيقة والفضيلة).
الجذر الثالث:
"يوتوبيا" الزمن المطلق
وذكر نظمي: بترويجها ليوتوبيا "الخلافة الإسلامية" العابرة للجنسيات والعصور والجغرافيا وما يستتبعها من عودة "حتمية" إلى "النبع الصافي" للإسلام، تكون الدوعشة قد أفلحت بتجميد الزمن في نفوس مجنديها على لحظة "مقدسة" لا تتبدل ولا تُهرَم، مؤكدا: فحين يختل الإدراك الزمني إلى هذه الدرجة، أي يصير الحاضر ماضياً، والماضي مستقبلاً، بمعنى تغييب الأبعاد الموضوعية للزمن، يتضاءل القلق الوجودي إلى أدنى مراحله لدى هؤلاء المجندين، ويكتسب حلم "الدولة الإسلامية" العالمية زخماً تعويضياً هادراً في وجداناتهم الباحثة عن عزاء هوياتي يتوحدون به لا شعورياً ليمنحهم القيمة والمكانة اللتين لطالما افتقدوهما في حياتهم قبل الالتحاق بالتنظيم.
أسئلة ومداخلات
س / ناصر شديد مراسل الجزيرة في العراق: أختلف مع حضرتك في نقاط عــدة, داعش ليس من الاسلام السياسي في شيء، فقد قابلت عدداً من اُمراء التنظيم في مدن بيجي والحويجة فهم لم يقوموا بقراءة كتاب واحد هدفهم اقامة دولة اسلامية , هل يمكن لك من ذكر شخصية او عشيرة مستفيدة من داعش، لا يمكن لنا أن نطلق على كل حدث مأساوي بـ(داعش)؟
ج / حول الشق الاول، إن داعش هي اسلام سياسي والاسلام السياسي هو اي جماعة تريد إقامة دولة على أساس ديني، اما في ما يخص الجهات المستفيدة من داعش هنالك الكثير من الوثائق التي تذكر عدداً من الاسماء التي تحالفت مع داعش ضمناً او علناً الكثير منهم ضباط في الجيش السابق. اما في ما يخص اطلاقنا على كل حدث مأساوي (داعش) ، فإن داعش أصبحت عنواناً للشر والموت، فكلمة داعش اُضيفت الى القاموس السياسي الجديد فلا ضير من استخدام هذا المصطلح .
س / ماذا بعد داعش ؟ 
ج / هنالك احتمالان: الاول هو أننا منفتحون على دوعشة جديدة في ظل عدم وجود رؤية سياسية واضحة. والثاني الدوعشة حققت صدمة أخلاقية ونفسية جعلت الناس تعيد النظر بالدين السياسي والعمل على العيش بسلام.
س / من الإجحاف ربط داعش بالعراق؟.
ج / ليس من الإجحاف ذلك، إذ وجود أفراد عراقيين كمـّاً ونوعاً داخل هذا التنظيم.
س / هل ترى أن المؤسسة الدينية واضحة لدرجة أن تكون محصَّنة ولا يمكن أن تُستغل من قبل الإرهاب؟
ج / المؤسسة الدينية حمّالة أوجه عــدة كل النصوص البشرية الدينية هي من عقول البشر تستخدمها الجماعات الدينية لتحقيق مصالحها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram