ذات مساء، أقسم عراقي، وكان سكرانا، ان تحرير ناحية البغدادي في الانبار سيكون حجر الأساس في تحرير العراق كله. لا من الدواعش، حسب، بل حتى نحن العراقيين سنتحرر من الشوائب التي بدواخلنا. قال له عراقي يائس، كان يشاركه الجلسة والكأس المرّ: اشرب خوية اشرب بس لا تنسى تره هاي داعش التي حتى أمريكا اعترفت ان دحرها يحتاج الى سنوات وسنوات. رد عليه: شعليّه بأمريكا وما تقوله. انا قلبي يقول لي انها بداية النهاية لنكساتنا كلها. سخر به الآخرون من الوجع وغنى بهم احدهم: أنا قلبي دليلي.
لا انكر انني عند اعلان ساعة صفر تحرير تكريت، ورغم ثقتي بشجاعة جنودنا، كنت احتاج الى ما يُطمئِن قلبي. كدت اكره الناطق العسكري السابق الذي لم يفوت يوما او شهرا الا وقال تمكنت قواتنا من تحرير تكريت بالكامل. وما ان يصبح الصباح حتى تأتي الأخبار بان الدواعش ما زالوا هناك. لم اكره بل صرت لا اصدقه.
نهض العراق في يومها وصحت يا الله و "علي وياك علي". وجاءت الانتصارات، فظهر لي وجهه الذي اعرفه. ليس عراق "القائد الضرورة" او أبو "ما نطّيها" لو يجي مدري منو. بدا لي كما الطفل الذي تسلم شهادة نجاحه من يد فرّاش المدرسة وكض صوب اهله فرحا: وشوفي داده اشحلاته .. اشحلاته .. وهيه يا الله .. تررم .. هيه يا الله.
أمس هاتفني صاحبنا السكران المتفائل فلم اتعرف على صوته الا بعد ان كشف لي عن اسمه. أهكذا الانتصار بعد الانكسار يجعل حتى الأصوات تختلف؟ قال لي اني ادعوك الليلة، لبّيت الدعوة ووجدت الربع قد سبقوني. لم يصبر كثيرا قبل ان يسأل معاتبا الذين سخروا منه: ها شكلتلكم؟ أتشكون بي الآن لو قلت لكم ان الانبار ستلتحق بتكريت لتتبعها الموصل او ربما تسبقها؟ طبعت قبلة على جبينه المبتسم وقلت له: من يشك بك بعد اليوم سيشك بالعراق كله يا صاحبي. نهض صديقه الذي كان يائسا سابقا ليعتذر له: لا تلومني خويه تره كثر دك المصايب على الراس لم يترك بنفسي املا. واليوم؟ نفث حسرة كبيرة من صدره وقال: كأنها دبابة وانزاحت عن صدري.
العراقيون .. قبل التحرير وبعده
[post-views]
نشر في: 8 إبريل, 2015: 09:01 م