ما كان صائباً القرار بعدم اعتبار يوم سقوط نظام صدام حسين الدكتاتوري في التاسع من نيسان 2003 مناسبة وطنية تستحق إحياءها والاحتفاء بها كل عام. انه مثال آخر صارخ لانتهازية الطبقة السياسية المتنفذة، ولتدني حسّها الوطني، بل انعدامه في الغالب.
كان الخلاص من ذلك النظام المتوحش حلماً عزيزاً وأمنية عظيمة للأغلبية الساحقة من الشعب العراقي التي عانت من القمع والاضطهاد وتكبدت تضحيات جسيمة في الحروب الداخلية والخارجية الخائبة، وبين تلك الأغلبية الآلاف من أعضاء حزب البعث الذين أدركوا ان صدام وحاشيته هم السبب في ما حلّ بالبلاد من خراب ودمار على مدى ربع قرن، وكان الكثير منهم قد أُرغم قهراً وقسراً على الانتماء لحزب صدام.
معظم العراقيين نشدوا الخلاص من صدام ونظامه بأية طريقة وبأي ثمن، مثلما نشدت شعوب أوروبا قبل سبعين سنة الخلاص من النازية والفاشية بأية طريقة وبأي ثمن، ولم يسأل الألمان الذين انتظروا يوم سقوط نظام هتلر ما إذا كان الجنود الذين اجتاحوا بلادهم ودخلوا الى عاصمتهم برلين شيوعيين سوفييتاً أم إمبرياليين من الولايات المتحدة وبريطانيا وسواهما.
لم يشعر الألمان وحكوماتهم بالعار لأن السوفييت والأميركيين والبريطانيين قد حرروهم من هتلر ونظامه النازي، بل إنهم يشعرون الى اليوم بالجميل حيال العمل العظيم الذي أنجزته جيوش الحلفاء، وفي العاشر من الشهر المقبل ستزور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل موسكو لتضع مع الرئيس الروسي بوتين إكليلاً من الزهور على ضريح الجندي المجهول إحياءً للذكرى السبعين لإسقاط النظام النازي في ألمانيا، برغم التدهور في العلاقات بين موسكو والعواصم الغربية على خلفية التدخل الروسي في أوكرانيا. ومنذ شهر قال المتحدث باسم ميركل، ستيفن شيبرت، وهو يعلن نبأ الزيارة "من الأهمية بمكان بالنسبة للمستشارة أن تجعل من الذكرى المشتركة لنهاية الحرب العالمية الثانية والتحرر من النازية رمزاً". وأضاف "كانت ألمانيا مصدر الكثير من القتل والمعاناة في هذا الفصل من التاريخ"، وإن "واجب الإبقاء على هذه الذكرى حية وتكريم القتلى، يبقى قائماً بغضّ النظر عما يفرّقنا سياسياً عن روسيا الآن، وعن الانتقادات الواضحة التي يتعيّن علينا التعبير عنها حيال موقف روسيا وتصرفاتها في أوكرانيا".
نعم هكذا يتصرف السياسيون المتحضرون ذوو الوطنية العالية، بخلاف سياسيينا الذين يتنكرون للجميل حيال القوى التي جاءت بهم الى الحكم، وهو ليس بالأمر المستغرب، فهؤلاء السياسيون قد تنكروا في الأساس لجميل الناخبين عليهم، ونكثوا بالعهد معهم وحنثوا باليمين الدستورية التي أدوها أمام كاميرات التلفزيون.
التاسع من نيسان سيظل يوماً وطنياً مجيداً لأنه يوم الخلاص من دكتاتورية صدام الرهيبة التي لم يعان معظم المتنفذين في الحكم الآن من قمعها واستبدادها ولم تكن لهم تضحيات جسيمة كتلك التي كانت للأغلبية الساحقة من الشعب العراقي، المهمشة الآن والمتروكة لمصيرها البائس كما لو أن الصنم لم يسقط في ذلك اليوم المجيد، التاسع من نيسان 2003، الذي حققته تضحيات الشعب العراقي وبمساعدة أممية امتدت رقعتها الجغرافية من استراليا الى أميركا، بالضبط كما حدث في ألمانيا منذ سبعين سنة.
يومٌ وطنيّ برغم أنوفهم
[post-views]
نشر في: 10 إبريل, 2015: 06:01 م
جميع التعليقات 3
عدنان فارس
بغداد لم تسقط بل تحررت وانتصبت قامتها من جديد ... بهذه الكلمات وَصَفَ أحد الكُتاب العرب حال بغداد في 9 نيسان 2003..... وفي أول جلسة له عقدها مجلس الحكم العراقي برئاسة المغفور له محمد بحر العلوم: أعلن الرئيس بحر العلوم أن: 9 نيسان عيداً وطنياً للعر
DanaDana
اتمنى لعراقناالجميل الامان والسلام بين جميع اطيافه والتي تشكل اجمل لوحة فسيفسائية حضارية ...وان هالحقبة قد ولت ..وليبدا عصر جديد يليق به وبحضارته ..مع مودتي
ياسين عبد الحافظ
شكرا للمقال،لاشك ان الموضوع بحاجة الى كتب ومجلداتكى تغطى افادات المنكوبين من الفترة المشؤومة وافرازاتها، لقد اؤجزت وافدت يااستاذ..