الجناح الشيعي الذي كان ينادي بضرورة الاصلاحات الادارية والسياسية، يعترض هذه الايام على رئيس الوزراء بسبب تعيين رؤساء جدد لبعض الهيئات المستقلة بنحو لم يأت وفق الحد الادنى من التوقعات. والحقيقة ان حيدر العبادي حظي بدعم كبير من جميع الاطراف ولا سيما الاحزاب المنادية بالتغيير في التحالف الوطني، وابرزها المجلس الاعلى والتيار الصدري. ومن حقهم ان يطالبوه بان يتشاور معهم ويلتزم باتفاقات "التوازن السياسي" حين تحديد مصير هيئات لها وزن رقابي وسياسي مثل هيئة النزاهة، او ذات ثقل ديني ومالي مثل هيئة الحج. ولذلك ظهر بيان واضح من زعيم التيار الصدري يدعو لاعادة النظر بالتعيينات، وظهرت تصريحات من زعيم المجلس الاعلى يتساءل فيها: متى تنتهي حكومة الوكالات؟ اي التعيين بالوكالة دون اتفاق داخل البرلمان، وهي اكبر مؤاخذة كنا نسجلها على المالكي حتى الصيف الماضي.
وعلينا ان نتذكر بان رئيس الوزراء وعد كذلك بأن يأتي بالقادة العسكريين الجدد الى البرلمان ليحظوا بالمصادقة، طبقا لما نص عليه الدستور، ولكي يصبح الجيش دستوريا بالكامل بعد سنوات من المماطلة في تطبيق هذا البند. ويمكن لرئيس الوزراء ان يرد على هذا، بان وضع الجيش استثنائي كما لم يكن من قبل، وان الانتظار لفترة اخرى محدودة لن يؤثر، اذا كان يعني ان ننتهي من التغييرات المطلوبة في المواقع العسكرية، لان التنقلات التي حصلت في الضباط ليست نهائية بعد.
كما برر العبادي قراراته حول الهيئات المستقلة بأنه مطالب بتمشية امور الدولة، وان التوافق السياسي حول المرشحين تأخر، وان في وسع الاحزاب المعترضة ان تجلس وتتفق على مرشح لكي نزيح من جرى تعيينه بالوكالة، ونضع المعينين بالاصالة طبقا للدستور. وان رئيس الوزراء لا يفرض رأيه على احد، الا بمقدار تمشية مؤقتة للامور.
ويبدو هذا التبرير معقولا من قبل رئيس الوزراء الذي نتحمس لكثير من مواقفه الجريئة والمتعقلة. لكن الجمهور الذي يتحمس للعبادي يسأل ايضا: وهل سيؤدي تعيين الشيخ خالد العطية رئيسا للحج، الى تحسين المزاج السياسي في البلاد؟ واين هذا من مسار الاصلاح والتغيير الذي تحمسنا في ضوئه لخطوات العبادي؟
وسيمكن للعبادي بالطبع ان يدافع عن نفسه ويضع هو الاخر ملاحظات على بعض المسؤولين الذين اختارهم السيدان مقتدى الصدر وعمار الحكيم، وسيكون لكل فريق ان ينهمك في الاعتراض والاعتراض المضاد، لكن ما يهمنا كمراقبين ان ما حصل هو مؤشر على نقص في الحوار داخل التحالف الوطني، وبين الاجنحة الشيعية التي حملت مسؤولية الاصلاحات. وظلت تردد منذ سنين ان الاصلاح السياسي هو السبيل الوحيد لمكافحة الارهاب والفساد قبل ان نضيع بالكامل. واذا كان هناك نقص في الحوار الداخلي في جناح "المعتدلين" فان جناح المتشددين سيجد فرصة كبيرة للتلاعب بكثير من الاوراق وصوغ العديد من المناورات، تعويضا لخسائره بعد انتخابات ٢٠١٤.
والاخطر من هذا ان نقص الحوار داخل التحالف الشيعي، سيعني استمرارا في تلكؤ او جمود الحوار مع القوى السنية، الذي تشتد الحاجة اليه كلما تصاعدت المعارك غربا وشمالا، وتشتد الحاجة اليه كلما سألنا: كيف سندير المناطق المحررة، بما لا يعيد اخطاء الماضي، وبما يخفف الاحتقان الاجتماعي والسياسي ويقلل اسباب عودة التطرف المميت؟
وحين نطرح هذه الاسئلة يقول لنا اشخاص نافذون ان التحالف الوطني في وضع غير جيد، اذ لم يتفق على رئيس له بعد، وهو لم يعقد اجتماعا اصوليا منذ شهور، ولذلك فكثير من الملفات الحساسة بما فيها العلاقة مع واشنطن، تواجه ارتباكا بسبب ارتباك داخل الكتلة النيابية الاكبر. وهذا بالطبع امر لا تعالجه مجرد بيانات وتراشق تصريحات، بقدر ما يتطلب اعادة التزام بمقررات الاصلاح السياسي، والحديث المعلن عن الخطوات الضرورية الان، استذكارا لحقيقة ان داعش ووراءها الف جهة متطرفة اخرى، ستظل قادرة على تكبيدنا خسائر اضافية، طالما كنا دولة عاجزة عن ادامة خطوات المراجعة.
انتقاد "وكالات" العبادي
[post-views]
نشر في: 11 إبريل, 2015: 09:01 م