منذ اربع سنوات او اكثر، تحاول صديقتي تغيير صفتها من (عضو مشارك) الى (عضو عامل) في نقابة الصحفيين دون جدوى..جلبت لهم كل مايثبت استمرارها في العمل كصحفية وخاضت اختبارا استحدثته النقابة للأعضاء الجدد ومازالت تجري وراء السراب بعد ان ابلغوها بأن معاملتها مفقودة وعليها ان تعيد الكرة..
ومنذ ثلاث سنوات او اكثر، تحاول زميلتي تغيير صفتها من (محررة) الى (مترجمة) في الدائرة الثقافية التي تعمل فيها للحصول على مخصصات الترجمة وتحسين راتبها المتشظي مابين (سلفة المائة راتب) وسلف زميلاتها الموظفات، ولكي تصحح اخطاء يرتكبها الموظفون الاداريون في الدوائر ويجني الموظف المسكين ثمارها لاذعة المرارة، مازالت تتنقل كالنحلة من مكتب مدير الى آخر ومن موظفة جديدة لاتفهم شيئا في اختصاصها الى موظف قديم لايعترف بالتكنولوجيا ويبحث في الاضابير المغطاة بالتراب عن اوراق لاوجود لها....
بعض المتسولين لم يبذلوا جهدا كبيرا لتغيير صفتهم من (متسول) الى (نازح) ودون ان يطرقوا ابواب الدوائر الرسمية أو يتابعوا معاملة متعثرة..لقد نجحوا وبسهولة في حمل صفة (نازح) والتشبه به في اللباس واللهجة سواء أكان عربيا من سوريا او عراقيا من الانبار او الموصل او صلاح الدين، لدرجة ان فتاة تدور في احد تقاطعات منطقة الجادرية تحمل في يدها ورقة كتب عليها (نازحة) لكي تختصر عدد الدعوات التي يلهج بها لسانها طوال النهار والتي تحاصر بها الركاب والسابلة لتحصل على المال..
يدرك من يقف خلف تشغيل هذه المتسولة من الذين يمارسون التسول كتجارة استثمارية ويحققون ثروات منه ان التسول يخضع ايضا لـ (الموضة) ولتغيرات الزمن، وفي بلد يعيش العديد من ابنائه حالة الفقر وينتظر موظفوه سقوط مقصلة تخفيض الرواتب على رؤوسهم لم يعد المتسولون يحققون نفس الارباح السابقة، واذن فلا ضير في ان يتحولوا الى (نازحين) –حسب الموضة – لـ (يكسروا قلوب) الآخرين، فأصعب شيء يعانيه المرء هو الخروج من داره والجهل بمصيره وفقدان مصدر رزقه وهكذا يمكن ان تحصل (النازحة) على مساعدة دون ان تتعب لسانها بدعوات اكثر..
يقال ان اسوأ الاوطان هو وطن يعطيه الانسان عمرا ويبخل عليه بساعة صفاء واسوأ الازمنة هو الذي يفعل فيه الشر باسم الخير والخير باسم الشر، وهو الذي تختلط فيه اقدار الناس فيصبح الصغير كبيرا والكبير صغيرا...هكذا اختلطت الأوراق وانقلبت الاقدار فتحول الآمنون الى (نازحين) يسهل استغلال (مأساتهم) لتحقيق مكاسب اكثر ليس للمتسولين فقط بل للمسؤولين عن ملفات اغاثة النازحين والعاملين على اعادتهم الى مناطقهم وكل من اثرى على حسابهم..
النازحون الحقيقيون بدورهم، فاق صبرهم الحدود فمن سكن منهم القرى فعشاؤهم (خباز) وماؤهم (علقم) ومن عاش في المدن فقد غابت عنه جميع اسباب الراحة والاستقرار والتصقت به صفة (نازح) التي حولته الى مواطن من الدرجة الثانية في أعين البعض وصاروا يتوقعون منه ان يصبح متسولا او سارقا او نصابا...لايدرك هذا البعض ان كل مايحدث حاليا هو (تغيير صفات) أما الصفات الحقيقية فتضيع وسط الفوضى وقدرة الانسان على استغلال اخيه الانسان!!
تغيير صفة
[post-views]
نشر في: 13 إبريل, 2015: 09:01 م